درب المهابيل.. حارة فى مصر «المزنوقة»، فيها الخمارة والبوظة وحواديت الناس المخنوقة.. نكتب بلسان أهل الكيف، بلا مجاملة أو حسابات، ف«أبو يكح الجوسقى» - دائماً - لا يسكت عن الكلام غير المباح. كنت أصعد كل يوم إلى القلعة، وأنتظر أن يكشف الله لي الحجب فأعرف ما سيجري لنا في مستقبل الأيام، ولكنني كنت أنتظر أحيانا أياما، وفي أيام أخرى كان الله يكشف لي الحجب دون انتظار، فأرى المستقبل يحدث أمامي وكأنني أطل عليه من نافذة بيتي، والله يكشف الحجب لمن يشاء، ولا يظن أحدكم أنني دخلت عالم التنجيم وضرب الرمل وكشف الودع، فكل هذه الأشياء دجل، وفيها يصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم «كذب المنجمون ولو صدقوا» لأنهم يعتمدون على التخمين، وقد يصدق تخمينهم يوما وقد يكذب، ولكن الحالة التي أعيشها بعد طرد أهل حارة درب المهابيل من مكانها هي حالة غريبة، ينكشف لي فيها الغيب دون أن أطلب ذلك، وسبحان الله، لعل الأمر ارتبط بنزوحنا إلى حي السيدة عائشة، فهل وجودنا بجوار مسجد السيدة عائشة هو السبب في الحالة الكشفية التي أصبحت أعيشها، أم لعل وجودي بجوار القلعة يكون هو السبب ؟! فالقلعة بتاريخها كانت محلا لأحداث جسام مرت بمصر، المهم، لا أستطيع أن أجزم بشيء في هذا الأمر فالعلم عند الله وحده، هو كاشف الغيب، وهو الحكيم الخبير. انتهيت من مشاهدة المشاهد الأولى لمحاكمة ستتم في المستقبل القريب للرئيس المعزول محمد مرسي، ورأيت الصلف والغرور يندفع من سيماه، ثم حدثت معركة خارج القاعة بين الإخوان وبين طوائف مختلفة من الشعب، وعند تلك اللحظة انقطع المشهد عني بطلوع الصباح، فأخذت أصعد في الليل البهيم للقلعة حتى أرى باقي المشاهد ولكنها غابت عني لأيام، حتى كدت أيأس من انكشاف مشهد المحاكمات لي مرة أخرى، وفي أحد الأيام صعدت إلى القلعة وأنا خائب الرجاء، ووقفت عند سور القلعة من الناحية الخلفية، وأخذت أنظر من أعلى لمصر وهي رابضة في مكانها في سكون الليل، وفجأة وجدت الدنيا وكأنها أصبحت كالنهار، وأخذت بعض الصور تتتابع أمام نظري، رأيت قاعة كبيرة فسيحة، وفيها عدد من البشر وكثير من الجنود وقفص مثل قفص الاتهام، يا الله، هو نفسه قفص الاتهام، وهي ذاتها نفس القاعة التي رأيتها في المرة الماضية، نحن إذًا أمام مشهد من مشاهد محاكمة محمد مرسي الذي سيحدث قريبا، كانت الصورة قد انقطعت في المرة الماضية حينما كان المشهد يطل على الذي يحدث خارج القاعة، حيث وقف آلاف من الجماهير بعضها جاء يؤيد الرئيس المخلوع المتهم، والبعض الآخر جاء ضده، وكان من ضمن الذين أتوا ضده آباء وأمهات الشهداء الذين قتلهم الإخوان، ورغم أن الشرطة فصلت بين كلا الفريقين إلا أنهم أخذوا يتناوبون التراشق بالحجارة، وحين بغتة سمعت صوت فرقعة اتضح أنه دوي رصاص انطلق من فريق الإخوان صوب المتظاهرين من الشعب المصري، ها هي أصوات الصراخ، وجلبة وضجيج، وهرج ومرج. عادت الصورة لي ولكنها كانت من داخل القاعة، سمع رئيس المحكمة صوت الفرقعة فأمر برفع الجلسة، وذهب هو وباقي المستشارين إلى غرفة داخلية، يبدو أنها غرفة المداولة، وسادت داخل القاعة حالة من الفوضى، فالكل يتساءل عن أصوات الفرقعة التي جاءت من خارج القاعة، أما خارج القاعة فكانت الاشتباكات تدور كالرحى، ويبدو أن البعض التحم مع البعض، أنا الآن أرى عشرات من الجرحى يسقطون، ولكنني ألمح أيضا مواطنا أو بعض مواطنين من خصوم الإخوان وهم يقعون مضرجين في دمائهم، يبدو أنهم أصيبوا برصاص حي انطلق إليهم من وسط جموع الإخوان المتظاهرين والمؤيدين للمتهم محمد مرسي، وعلى الفور تحركت قوات الأمن، وفرقت الجموع فأتيحت الفرصة لسيارات الإسعاف أن تقترب من المصابين من جراء الالتحامات ومن جراء الرصاص الحي. تنفست الصعداء وأنا أدعو للمصابين بالشفاء وألا يكون قد وقع منهم قتلى، وبعد فترة سادت حالة من السكون بعد أن تم إبعاد المتظاهرين من أمام المحكمة، وعادت الصورة مرة أخرى إلى داخل قاعة المحكمة، حيث رأيت حاجب المحكمة وهو يخبط بيديه على منضدة المنصة وهو يقول: سكووووت، المحكمة ستنعقد.. ثم ذهب الحاجب سريعا إلى ناحية من نواحي المنصة واختفى لدقيقة ثم عاد وهو يصيح قائلا: محكمة. ودخل إلى المنصة صف من القضاة يتصدرهم رئيس المحكمة ثم من بعدهم دخل ثلاثة من السادة رؤساء النيابة العامة، وجلس الجميع على المنصة، عادت الحياة مرة أخرى للقاعة، وتقدم المحامي سليم العوا للمنصة متحدثا مع رئيس المحكمة طالبا منه تأجيل الدعوى لحين الاطلاع، فرد عليه رئيس المحكمة: سنقوم بفض الأحراز يا دكتور سليم، فالأحراز هي محل الاطلاع. وسرعان ما بدأ رئيس المحكمة في فض الأحراز بمساعدة حاجب الجلسة، وساعده في ذلك عضو يمين الدائرة، وبعد أن تم فض الأحراز وتدوين ما بها في محضر الجلسة طلب رئيس المحكمة من أحد رؤساء النيابة قراءة قرار الاتهام، فقام أكبر رؤساء النيابة وأقدمهم وأخذ يتلو قرار الاتهام من ورقة أمسكها بيده، ساد القاعة الصمت وأخذت الأنفاس تتردد بين الصدور ورئيس النيابة يقرأ: المتهم الأول محمد محمد مرسي عيسى العياط وآخرون السن 62 سنة، الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية: أولا: في تواريخ سابقة على 28 يناير 2011 قام بالتخابر مع حركة حماس الفلسطينية وهي حركة أجنبية واتفق معها جنائيا عن طريق المساعدة على هدم أسوار السجون إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير ومهاجمة أقسام الشرطة، وقتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير عن طريق قناصة من حركة حماس المسلحة، ومساعدتهم على اعتلاء أسطح بعض العقارات في ميدان التحرير لتمكينهم من تنفيذ مخططهم الإجرامي، الأمر الذي نتج عنه سقوط قتلى وجرحى. ثانيا: قام بالتحريض على قتل المتظاهرين واتفق جنائيا على ذلك مع آخرين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وردت أسماؤهم في قرار الاتهام، ونتج عن هذا التحريض قتل وجرح المجني عليهم. ثالثا: قام بالتخابر مع دولة أجنبية هي الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل تنفيذ مخطط يستهدف تقسيم مصر والمساس بأمنها القومي. رابعا: قام بالإضرار العمدي بالمال العام واختلس لنفسه ولجماعته المبالغ الوارد بيانها في التحقيقات. خامسا: أمر بقتل المتظاهرين السلميين أمام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الخامس من ديسمبر عام 2012، وتم قتل المجني عليهم وإصابة العشرات بناء على الأمر الذي صدر منه. سادسا: اتفق جنائيا مع آخرين من جماعة الإخوان على قتل وجرح أفراد مسالمين من الشعب المصري في كل من بورسعيد والسويس والمحلة والمنصورة والإسكندرية والقاهرة. واستمر رئيس النيابة في تلاوة قرار الاتهام وقد شمل القرار بعض أفراد من جماعة الإخوان، ظهر أن هذا البعض ومنهم خيرت الشاطر يقبعون في قفص الاتهام بجوار محمد مرسي، كان خيرت الشاطر يبدو متجهما عبوسا قمطريرا، وكان ينظر إلى محمد مرسي بين الحين والآخر، وعندما انتهى رئيس النيابة من تلاوة قرار الاتهام قال رئيس المحكمة موجها كلامه لمحمد مرسي: محمد محمد مرسي، ماذا تقول في هذا الاتهامات. وهنا قام خيرت الشاطر قائلا: كل هذه الاتهامات غير صحيحة جملة وتفصيلا يا سيادة الرئيس. تعجب رئيس المحكمة وقال: أنا لم أسألك، من أنت ؟ الشاطر: أنا خيرت الشاطر المتهم الثاني. رئيس المحكمة: سيأتي دورك ولكنني الآن أسأل المتهم الأول. رد الشاطر قائلا: الترتيب غير صحيح يا سيدي، فأنا المتهم الأول وهو المتهم الثاني. رئيس المحكمة: وهل تتدخل في ترتيب المتهمين، هذا شغل النيابة العامة لا شغلك أنت. الشاطر: لا يا سيدي، هذا الأمر لا يتم إلا بموافقتي، فأنا الأصل، ومحمد مرسي هو الإستبن. وهنا تراقصت الصورة أمام نظري وحدثت شوشرة وتداخلت الأصوات، وخيل إلىَّ أن الذي قال العبارة الأخيرة ليس هو الشاطر، ولكن أحد الشياطين تلبس صورة خيرت الشاطر فلم أستطع التفريق بينهما، واختلطت الأصوات بين الحقيقة المستقبلية والخيال الذي حاول أن يستظرف، ثم بغتة استقامت الصورة مرة أخرى، فرأيت محمد مرسي وهو يرد على رئيس المحكمة قائلا: أنا رئيس الجمهورية الشرعي وليس من حقك أنت ولا النيابة العامة أن توجهوا لي اتهاما ما، هذه مؤامرة، وأنا بموجب سلطاتي أصدر إعلانا دستوريا بإلغاء هذه المحكمة وفصلك من القضاء وفصل وزير العدل، ومنع أي محكمة من محاكمتي وآمر وزير الداخلية ووزير الدفاع بإعادتي إلى قصر الاتحادية، صدر هذا الإعلان من الرئيس الشرعي وتوقع عليه بخاتم رئاسة الجمهورية وينشر في الجريدة الرسمية ويعمل به في الدقيقة التالية لصدوره وقبل نشره. فجأة اختفت الصورة مرة ثانية من أمام نظري فقد تبين أن تباشير الصباح قد أقبلت إلى السماء تشق ظلمة الليل، فأخذت نفسي وتوجهت هابطا من القلعة إلى حجرتي القابعة بجوار مسجد السيدة عائشة على أمل أن أرى باقي مشاهد المحاكمة في الأيام القادمة.