ما أحوجنا اليوم إلى المسحراتي الذي يطوف في ساحات الوطن يوقظ فينا أمجادنا ومصريتنا يحرك فيضان الإبداع فينا.. يوقظ بركان وطنيتنا محمدعبد الله مسحراتى في الطريق الصعب منقراتى وكل دقة بقلب إحنا الشعب المصرى أول سيرة الإنسان إحنا من صخر العزيق والصبر وإحنا من طل وندى المواويل زى ما اتعود علينا النيل زى ما اتعود علينا العطش يمكن خطأنا في الزمان الطويل كان من سبيل الرحمة والحنية يصعب علينا في يوم نفارق عيالنا وماجاش في بالنا زى العرق: الدم يبنى البيوت فؤاد حداد المسحراتي.. صدى أنفاس الزمن الجميل وتاريخ طويل من التدفق والإبداع الإنساني.. في مصر وفي مصر فقط كان للمسحراتي رحيق وعبق خاص ميز شهر رمضان المصري.. كان تاريخ المسحراتي في مصر يرتبط بمهمة دينية توقظ الجماهير للسحور.. حتي أن والي مصر كان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور وهو الوالي بن إسحق سنة 832ه، وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتي مسجد عمرو بن العاص تطوعا وهو ينادي "يا عباد الله تسحروا" فإن في السحور بركة.. واستمر هذا التقليد أو الطقس مرتبطا بطقوس الصوم كل عام حتي كادت مهنة المسحراتي تختفي تماما في العصر المملوكي لولا أن الظاهر بيبرس أعادها وعين أناسًا مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بها ليتحول عمل المسحراتي إلى موكب محبب، وخاصة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي. وظلت هذه المهنة على حالها حتي وقف شاعر من تراب ورائحة وعبق أزقة مصر وشوارعها القديمة..شاعر برحيق الحسين والسيدة وأنفاس القلعة ورحاب الضاهر. فؤاد حداد شاعر انتقلت على يديه ومن ثنايا أشعاره مهنة التسحير إلى صرخة في رحاب مصر توقظ في المصريين تاريخا وحضارة.. حياته كانت رحلة قلق وكان حلمه أن يصير فارسًا ليحارب الظلم ويحقق المساواة، ولما كبر عرف أنه "لن يصير فارسًا، فأصبح شاعرًا". خرج فؤاد حداد بالمسحراتي إلى الغوص في أعماق الإنسان المصري بكل تعقيداته وبكل بساطته وسذاجته. لم يعرف فؤاد حداد المساومة، ورغم أنه ابن عائلة برجوازية انضم للتنظيم الشيوعي وحاول دائما أن يكون مسحراتي الذات.. فتعاطف مع الفقراء وكان مسحراتي ضد الظلم والقهر. حداد الذي ولد في حي الضاهر بالقاهرة في 30 أكتوبر 1927 لأب مسيحي متسامح لا يجد غضاضة أن يسمع أبناؤه القرآن أو أن يتعلموا العربية. مسحراتي مصر الذي كانت صرخاته للعمال والفلاحين تتردد في سماء المحروسة.. رغم سلسلة الاعتقالات التي تعرض لها في عهد عبد الناصر بتهمة الانتماء للتنظيمات الشيوعية.. ورغم ذلك كان مغرما بالتجربة المصرية في عهد عبد الناصر وكان مسحراتي مصر الجديدة.. فؤاد حداد أحب ناصر لأنه عروبي وحداد عروبي حتى النخاع وفيه إلى ذلك إسلام وجداني رغم مسيحيته، إسلام بدأ بشعره ومفرداته وانتهى باعتناقه الإسلام رسميا بصحة التعبير.. فؤاد حداد كان عروبيا وكان يرى التاريخ عربيا والأرض بتتكلم عربي، كان يرى أن الهجرة بداية تاريخ الشرق، التاريخ الذي سيدفع بالشعاع الذي انطلق من يوم الهجرة ومستمر بيبان في أوقات النور ويختفي في أوقات الظلام لكنه مستمر ماشي وهو كان يقول عن نفسه "أنا كنت صاحب فرح..وكنت صاحب أمين..وترجمان الحنين" هو ترجمان لهذا الحنين الذي بدأ شعاعه ينطلق من تاريخ الهجرة. نشر حداد ديوانه الأول "أحرار وراء القضبان" الذي كان اسمه "أفرجوا عن المسجونين السياسيين" بعد خروجه من المعتقل عام 1956، واعتقل مرة أخرى عام 1959 لمدة خمس سنوات، وخرج ليكتب في شكل جديد لم يكن موجودًا في الشعر العربي، وهو شعر العامية فكتب أشعار الرقصات مثل "الدبة" و"البغبغان" و"الثعبان" وغيرها. حداد وقف في وسط الألغام يؤذن للحرية ويدشن لأهم وأشهر ما أنتج وهو "المسحراتي" لسيد مكاوي 1964 وكتب له البرنامج الإذاعي "من نور الخيال وصنع الأجيال" 30 حلقة عام 1969 والذي كانت أغنية "الأرض بتتكلم عربي" قطعة منه. لم تتوقف فكرة إيقاظ الأمة على مصر فقط، فكان حداد "مسحراتي العروبة.. وفي ديوانه "الحمل الفلسطيني" كانت صرخته من أجل وطن وحلم. وعندما انتقلت مهنة المسحراتي إلى صرخة في جوف العقل على يد حداد نرانا نقف بين دفات صرخاته في المسحراتي طالبين المدد من مسحراتية زمانهم. فكيف لنا ونحن بين مطرقة الحشاشين الجدد وسندان التهديد الأمريكي أن يكون بيننا "العز بن عبد السلام" ليصرخ فينا ويسحرنا أن نجتمع ونستعد حتي نستعيد أمجاد صلاح الدين. نحتاج أيضا أن يخرج من بيننا محمد طلعت حرب أبو الاقتصاد المصري الذي شيد لمصر وأسس للمصريين صروحا اقتصادية وشركات وبنوكا لنستلهم منه حلولا لمستقبل الاقتصاد الوطني الذي أصبح مشكلتنا الأولي. وبالقدر الذي تقف مصر فيه على أعتاب مرحلة فارقة نحتاج إلى أن يكون بيننا يوسف شاهين..مسحراتي الإبداع السينمائي الذي انطلقت صرخاته الفنية تسحرنا مع كل عمل فني يخرج من بين يديه بداية من" باب الحديد" وحتي "الناصر صلاح الدين". ما أحوجنا اليوم إلى المسحراتي الذي يطوف في ساحات الوطن يوقظ فينا أمجادنا ومصريتنا يحرك فيضان الإبداع فينا.. يوقظ بركان وطنيتنا.. نحتاج إلى مسحراتي يستنهض الأمة ويخرجها من الحلة الصفرية إلى عالمية تستحقها.