فكرنا كثيرا في الانسحاب من المشهد ولكننا تراجعنا حتى إشعار آخر.. ونعانى تضييقا إعلاميا السياسي والمفكر الاشتراكي، الديمقراطي، ورئيس الحزب المصرى الديمقراطى، "فريد زهران"، يرى أن الحياة السياسية المصرية تسير نحو مناخ ينحرف تماما بعيدا عن المشهد الديمقراطى الذي كان متفقا عليه منذ نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير من قبل جميع القوى الثورية المدنية ومن بعدها ثورة 30 يونيو. زهران أكد خلال حواره ل"فيتو" أن تفعيل المعارضة يأتى من خلال إشراك المواطنين في صناعة القرار الاقتصادى والتعليمى والصحى وغيره من الملفات التي تهم قطاعًا كبيرًا من المصريين، بعد ما وصفه بالتعمد البين لإقصاء المعارضة بعيدا عن الملفات المصرية المهمة، وإلى نص الحوار.. بداية.. قراءتك للمشهد السياسي الحالى والحياة الحزبية في مصر بعد مرور خمس سنوات على الثورة المصرية الثانية.. ومقارنة المشهد قبل وبعد الثورة والتغيرات التي طرأت عليه؟ بعد ثورة 25 يناير وحتى ثورة 30 يونيو وما أعقبها بشهور، كان هناك انفتاح بدرجة كبيرة جدا في المجال السياسي العام، بسبب وجود زخم جماهيرى من ناحية، وعدم وجود تضييق من ناحية أخرى، ومن ثم ظهرت أحزاب كثيرة منها: الحزب الديموقراطى المصرى والعدل والأحرار الدستوريين، وغيرها. بالتالى يمكننا القول: إنها ظهرت بسلاسة دون عقبات أعقب ذلك الاتجاه بخطى حثيثة تجاه تضييق المجال العام، وتواكب مع ذلك انحسار الزخم السياسي مرة واحدة، ولا أحد يعرف هل انحسار الزخم هو ما أفضى إلى التضييق على الحياة السياسية المصرية، أم أن التضييق هو ما أدى إلى انحسار الزخم.. فالبعض يرى أن هذا الزخم ما كان له أن ينتهى لولا ممارسات سلبية أدت اليه، ومواجهة التظاهرات بشكل عنيف وقاسِ.. ماذا تقصد تحديدا بالممارسات السلبية ؟ أقصد بذلك تضييق المجال العام، وتجريم الاحتجاج السلمي، ومواجهة أي نوع من الاحتجاجات بقسوة وعنف مفرطين، وعدم السماح بالتحركات السياسية إلى آخره، خاصة بعد عزوف الناس عن المشاركة السياسية لأسباب أخرى لا تتعلق بالتضييق الأمني وحده. أهم هذه الأسباب؟ ربما يكون أهمها هو عقد الناس آمالا كبيرة على ثورة 25 يناير، وتصورها بأنها ستدشن لمرحلة جديدة وتحقق آمالا كبيرة، مع الوقت تراجعت هذه الآمال نتيجة الإخفاقات التي تمت نتيجة ما بذلته قوى الثورة المضادة، سواء فلول النظام القديم أو الإخوان، جنبا إلى جنب مع أخطاء مارستها القوى الديمقراطية نفسها، كل ذلك جعل الناس تشعر أنها لم تحقق الأهداف، ففقدت الثقة في العملية الثورية، والسياسيين والسياسة والقوى الديموقراطية، لترتفع وتتعالى الأصوات التي اعتدناها منذ سنوات والتي تجرم السياسة والسياسيين والحياة السياسية برمتها.. واكتمل المشهد باتجاه الخروج من التحول الديموقراطى إلى مرحلة إعادة بناء النظام القديم باستخدام نفس الأسس، لذلك نعد ملف الأحزاب السياسية ملفًا أمنيًّا وليس سياسيًّا. إذن أنت ترى أن المناخ السياسي المصرى انحرف تماما عن المسار الديموقراطى الذي كان موضوعا له منذ نجاح ثورة 25 يناير؟ بالتأكيد، نحن خرجنا عن مسار التحول الديمقراطى إلى مسار آخر، ونطالب جميعًا بأن نعود للمسار الذي كنا نسير عليه، لأننا في وضع سيئ، نحن أصبحنا الدولة قبل الأخيرة في التعليم، وصلنا بالمديونيات إلى بضعة التريليونات من الجنيهات لأول مرة في تاريخ اقتصاد مصر، فضلا عن مشكلات الصحة، وقوانين النقابات والجمعيات وقوانين التظاهر، التجريم والتحريم والمواقع الصحفية المحجوبة، وبالطبع المشكلات الاقتصادية التي تطال الطبقات الدنيا والوسطى. وكل هذا يحتاج منا إلى مناقشة مجتمعية واسعة ودرجة ما من الاتصال بين كل الفرقاء السياسيين، باستثناء قوى الإرهاب والتطرف، بغرض الوصول لحلول لتلك لأزمات. على ذكر مشكلات التعليم والصحة والقضايا التي تهم الشرائح الوسطى والدنيا من أفراد المجتمع.. هل للحركة الديمقراطية بشكل عام، والمصرى الديمقراطي، بشكل خاص، رؤية لتطوير هذه الملفات والنهوض بها خلال الفترة القادمة ؟ نحن نقر في البداية بوجود مشكلة أدت بالتعليم المصرى إلى أن يصبح، وفقا للتصنيفات الدولية، في المرتبة ما قبل الأخيرة على مستوى العالم. ونحن سمعنا من الصحف والفضائيات أن هناك مشروعًا لتطوير التعليم، ونحن حزب له مقاعد بالبرلمان، لم نسمع سوى تصريحات من الوزير، وأنا طُلبت في الحزب أن أبدى موقفًا في هذا التصريح المزعوم، وعندما عدت إلى الخبراء في الحزب ومتخصصين في المجال التربوي، أجابوا بأننا نريد ورقًا مكتوبًا من الوزير بهذه القرارات، وعليه تواصلت مع ممثل الهيئة البرلمانية بالحزب بأن يتصل بمكتب الوزير للحصول على هذا المشروع مكتوبا، وحتى الآن لم يصلنا أي مشروع يهدف لتطوير التعليم. بالتالى نحن نرى أن هناك كارثة تعليمية، فإذا كان هناك مشروع لماذا يُناقش سريا ولا يعرض على الأحزاب والخبراء والمهنيين؟!، لدينا مشروعات كثيرة في مجال التعليم من الصعب حصرها هنا، ولكن المشكلة في الأجهزة المعنية بالأمر والتي لا تتعاون لا مع الحزب ولا مع الرأى العام، ولا يتم أي نقاش مجتمعى سليم. وهل هذا يعود لغياب الاشتباك مع الجماهير والانخراط في الشارع من قبل الشخصيات السياسية المختلفة؟ أنا أقول إن هناك ضرورة لوجود مشاركة من الناس في العملية المجتمعية، لابد للناس أن تشارك في الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية، وحتى الأحزاب السياسية، ومن ثم إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية للتواجد والعمل لكى يمكن للناس أن تنخرط معها. لابد من إشراك الناس وليس طردهم من المجال العام، واعتبارهم مفعولًا به، يجلسون في بيوتهم في انتظار الدولة تعطيهم أو لا!، فإذا كنت لا أضع مساحة حرية مناسبة للأحزاب، كيف سيشارك الناس إذن في صنع القرار!، فإتاحة الفرصة معناه سن قوانين مختلفة وتشريعات متعددة. الضغوط السياسية التي تمارس على العمل الحزبى الحالى يمكن أن تدفع الحزب المصرى الديموقراطى لتجميد نشاطه، أم أن هذا الخيار ما زال غير مطروح؟ نحن طرحنا هذا الموضوع كأحد الحلول منذ بضعة أشهر، عندما شعرنا أن المجال العام قد ضاق لدرجة أصبح بها العمل مستحيلا، ولكن هذا الرأى لم يحصل على موافقة الأغلبية والناس أصرت على الاستمرار، فنحن مستمرون إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. هذا يأخذنا للتساؤل عن كيفية تنشيط الحياة السياسية خلال الفترة القادمة ؟ تنشيط الحياة السياسية يعنى ترك الأحزاب تعمل بحرية، وأن تُترك لها مساحة في الإعلام والشارع والتجمعات المختلفة، فهذا لا يحدث فنحن لم يكن لدينا تواجد في الإعلام، والمحاولات لإنشاء مواقع إلكترونية ووجهت بحجب تلك المواقع. أنا شخصيا كان من الممكن أن أكون متواجدًا بمعدل مرة أو مرتين في الأسبوع خلال فترات سابقة، أصبحتُ غير موجود، فمعظم وجوه المعارضة وقياداتها غائبة عن الإعلام المرئى الذي يصل لشريحة كبرى من الناس، الكثيرون منا لا يكتبون في أية صحف قومية، فهناك أيضا تضييق إعلامي. التضييق الآخر هو تضييق التحركات المجتمعية والسياسية، وعدم الحرص من الأساس على وجود حياة سياسية، كنا حريصين على تشجيع الأحزاب وإثبات وجودها، نحن للأسف لا نفعل ذلك الآن، نحن نفعل بالأحزاب كل ما يدفعها للانتهاء والطمس، الأحزاب ضعيفة منذ قانون الأحزاب وأزمة مارس 1954، والأحزاب الحالية وليدة وضعيفة لا ننكر ذلك، ولكننا لا نسعى إلى تقويتها، بل نسعى لتدميرها، هذا أمر لا يحدث في أي بلد في العالم أن السلطات تشكل معارضيها، أو بنت حزبا معارضا لها، هذا حديث مثير للسخرية. هل تقصد بذلك عزم المرشح الرئاسى السابق "موسى مصطفى موسى" تشكيل حزب معارض تابع للنظام الحاكم؟ مثلا.. فلا يمكن أن تجعل مرشحًا منافسًا لرئيس الجمهورية، يبدأ حملته الانتخابية بل ويدعى تشكيل حزب مؤيد لهذا المرشح المنافس، هذا كلام غير منطقى ولا يعطى للأمر مصداقية، وهذا ما حدث حينما فقدت العملية الانتخابية مصداقيتها.