الذين لم ينحازوا إلى القوى الثورية، فى الوقت الذى كانت فى أمس الحاجة إلى الدعم والتأييد والمساندة، ولم يتخذوا موقفا واضحا وحاسما، بل إنهم صمتوا إزاء كارثة «كشف العذرية»، تلك المهزلة المهينة، أقول هؤلاء أساءوا إلى أنفسهم، وإلى مصر قبل أن يسيئوا إلى الفتيات النبيلات اللاتى تم الاعتداء عليهن وانتهاك أعراضهن.. وإذا تصور هؤلاء أنهم وأزواجهم وبناتهم وأخواتهم وأمهاتهم فى مأمن من ذلك، هم مخطئون.. والذين غضوا الطرف عن مذبحة ماسبيرو وما حدث فيها من فظائع أدت إلى قتل واستباحة دماء 27 مواطنا مصريا، ارتكبوا جريمة كبرى فى حق أمتهم ووطنهم..والذين تركوا العشرات من المعتصمين الأبرياء فى ميدان التحرير يوم 91نوفمبر، كلقمة سائغة وفريسة سهلة لقوات الأمن الذين قتلوا منهم أكثر من 45 شهيدا ومايربو على ثلاثة آلاف مصاب وجريح، منهم حوالى ثلاثمائة فقئت أعينهم (بما عرف بمذبحة شارع محمد محمود)، أقول هؤلاء سوف يجنون ثمرة خذلانهم وتقاعسهم عن مساعدة إخوانهم مرا وعلقما، وسوف يسجل التاريخ ذلك فى صحائفه السوداء..والذين أداروا ظهورهم للمعتصمين العزل فى شارع مجلس الشعب والقصر العينى، وماحدث لهم من بطش وقمع وتنكيل، ناهيك عن قتل 17 شهيدا، علاوة على الاعتداء والضرب والسحل للفتيات والسيدات المصريات بهذا الشكل المزرى والفاضح والقبيح على يد قوات الشرطة العسكرية وأفراد من الجيش المصرى، الأمر الذى جعلنا أضحوكة وسخرية العالم، أقول لهؤلاء جميعا لا تحسبوا أنفسكم بمنأى عن هذا كله..لا تتصوروا أن الحال سوف يدوم، فدوام الحال من المحال.. وإذا كانت هذه الجرائم قد حدثت لغيركم، فليس بمستبعد أن تحدث لكم فى أول منعطف، وربما بأشد وأقسى مما تظنون..ساعتها لن تجدوا أحدا يدافع عنكم أو يقف إلى جواركم أو يخفف عنكم، ولن تجدوا حتى من يلتفت إليكم أو يلقى إليكم بالا..لا تظنوا أن الدنيا قد أقبلت عليكم، وأنكم بلغتم أهدافكم ومراميكم..فلا تدرون ما الذى يمكن أن يحدث غدا، خاصة إذا أعطتكم الدنيا ظهرها..إن العاقل من اتعظ بغيره، وأعقل منه من اتعظ بنفسه، واقرأوا التاريخ..سوف تجدون فيه آيات وآيات.. لكن لمن يأخذ العظة والعبرة..لمن كان على استعداد لأن يقرأ ويفهم ويستوعب. انظر وتدبر وتأمل ماقاله شاعرنا الحكيم: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم. لكنه الاطمئنان الذى يورث الغفلة..الغفلة التى تمنع الإنسان من إدراك البديهيات البسيطة والواضحة، فإذا بها تحجب عنه نور العقل والحكمة، فلا هو يبصر ما أمامه، ولا هو يدرك حقائق التاريخ من خلفه..والمشكلة تكون خطيرة وكارثية حينما يكون هذا الإنسان مسئولا عن غيره، إذ لن تكون جناية غفلته على نفسه فقط، وإنما على من وراءه كذلك..ومن هنا كان الاستبداد شؤما على الجميع، سواء على مستوى الدول أوالشعوب..ومن هنا أيضا كانت الشورى الحقيقية ضرورة‘ إذ تكون فيها النجاة، فضلا عن العصمة من الزلل. لابد من توجيه النصح والإرشاد دون تردد أو وجل، لعل الله تعالى يشرح به مغاليق القلوب..لابد أن يعلو صوت المخلصين من أبناء الوطن فى التحذير من مغبة الغفلة والانسياق وراء السلطان، خاصة بعد أن ثبت فشله فى إدارة شئون البلاد بالشكل الذى خلف دماء وأزهق أرواحا، وأعاد الحياة إلى سابق عهدها قبل الثورة..لابد للعقلاء وأهل الحكمة والرشد ألا يدخروا وسعا فى سبيل تقديم رؤيتهم وفكرهم فى شجاعة وإقدام مهما كلفهم ذلك من تضحيات، حيث أن المصلحة العليا للأوطان تستحق أن يبذل فى سبيلها كل مرتخص وغال. قديما قالوا: ثلاثة من اجترأ عليها كان أهوجا؛ مصاحبة السلطان، ائتمان النساء على الأسرار، وشرب السم للتجربة..والمعنى هو أن العاقل لا ينبغى أن يأمن على نفسه من غضبة السلطان، لأن غضبته ليست شيئا هينا يمكن تحمله، فضلا عن أنها وشيكة الوقوع فى أية لحظة..هى ليست كغضبة الصديق، أو كغضبة فرد عادى..هى بالقطع متناسبة مع منزلته ومكانته وقدرته ومدى ما يمكن أن يفعله، إذ ربما تؤدى إلى قطع الرقاب..فالحذر الحذر..وقانا الله وإياكم غضبة السلاطين.