اليوم.. مجلس النواب يعلن قوائم تشكيل اللجان النوعية    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 2-10-2024 في البنوك    عاجل:- ماكرون يدين الهجمات الإيرانية ويؤكد تحرك باريس عسكريًا في الشرق الأوسط    انفجاران في محيط سفارة إسرائيل بكوبنهاجن    القنوات الناقلة لمباراة يوفنتوس ولايبزيج في دوري أبطال أوروبا    مصرع 3 أشخاص وإصابة 2 في تصادم سيارتين بطريق مرسى علم    نجاة شقيقة إيمان العاصي من الموت.. أحداث الحلقة 14 من مسلسل «برغم القانون»    الأوقاف تختتم مبادرة «خلقٌ عظيمٌ» بمجلس حديثي في مسجد الإمام الحسين.. الخميس    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما    ترتيب دوري أبطال أوروبا قبل مباريات يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    محمد إبراهيم: الزمالك تواصل معي وفضلت الإستمرار في سيراميكا عن الإنضمام إلى بيراميدز    عاجل - أوفينا بالتزامنا.. هذه رسالة أميركية بعد هجوم إيران على إسرائيل    انتخابات أمريكا 2024| وولتز يتهم ترامب بإثارة الأزمات بدلاً من تعزيز الدبلوماسية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 2 أكتوبر    أمين الفتوى: الأكل بعد حد الشبع حرام ويسبب الأمراض    مصرع قائد تروسيكل في حادث تصادم سيارة ب صحراوي سوهاج    كسوف الشمس 2024، البحوث الفلكية توجه نداء للمواطنين قبل ساعات من حدوث الظاهرة    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    على غرار الذهب، ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    إصابة 5 أشخاص في مشاجرة بالشوم لخلافات المصاهرة في سوهاج    طريقة عمل الطحينة في البيت، بأقل التكاليف    دراسة خطرة: 740 مليون طفل ومراهق يعانون من قصر النظر في منتصف القرن    6 شهداء و17 مصابا في قصف إسرائيلي لمدرسة بمدينة غزة    الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا في بيروت    وادي الوشواش.. إبداع الطبيعة في سيناء وأجمل حمام سباحة في قلب نويبع    احتفالات في بيروت بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل    لحظات مؤثرة بتكريم نيللي ولطفي لبيب في مهرجان الإسكندرية.. صور    بدء فحص طلاب المدارس بكفر الشيخ ضمن حملة القضاء على البلهارسيا    محافظ أسيوط يؤكد أهمية المتابعة الدورية للقطاعات والمشروعات وسير العمل    طريقة حل تقييم الأسبوع الثاني علوم للصف الرابع الابتدائي بعد قرار الوزير بمنع الطباعة    تذكر أن الأمور ليست بهذا التعقيد.. برج الحمل اليوم 2 أكتوبر    غرق طفل بترعة في العياط    "السقف ولع".. سيارتا إطفاء تواجه نيران شقة ببولاق أبو العلا    إيران: الرد على إسرائيل انتهى إلا إذا استدعت الأمور مزيدا من التصعيد    الأهلي قد يطيح ب كولر بسبب محمد رمضان؟ إعلامي يكشف تفاصيل صادمة    برج الدلو.. حظك اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024: العند يهدد صحتك    عبدالغفار: «100 يوم صحة» قدمت 97 مليون و405 آلاف خدمة مجانية في شهرين    لمرورها بأزمة نفسية.. التصريح بدفن جثة فتاة سقطت من أعلى عقار في المرج    عبد الواحد: تجديد زيزو في يده.. واستبعاد عمر جابر من المنتخب غريب    الداخلية يضم ميدو العطار لاعب الترسانة    الأهلي يستقر على رحيل لاعبه في يناير.. محمد فاروق يكشف التفاصيل    ختام كورس ألف مُعلم كنسي "طور" بحلوان    حازم إيهاب مازحا مع مخرج مسلسل انترفيو: "بيقول عليا غلبان ورغاي"    «أغنية كل أسبوعين».. ماذا حققت أغاني عصام صاصا التي طرحها خلال حبسه؟    إلهام شاهين: سعيدة بالتكريم في مهرجان المونودراما وأكره الحروب وأنادي بالسلام    المركزي: الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية في البنوك تتجاوز 7 تريليونات جنيه بنهاية أغسطس    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024 في البنوك    سلمى أبو ضيف تهدد بمقاضاة المتنمرين على حملها (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يشارك في رتبة التوبة    أديمي يقود دورتموند لاكتساح سيلتك.. وإنتر يتجاوز ريد ستار برباعية في دوري الأبطال    عقوبة التحريض على الفسق والفجور وفقا للقانون    تقترب من النصف، زيادة جديدة في سعر دواء شهير لزيادة سيولة الدم ومنع الجلطات    كارولين عزمي كاجوال وساندي أنيقة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    هل الأكل حتى الوصول لحد الشبع حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    في اليوم العالمي للمُسنِّين .. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟    خالد الجندى: من يؤمن بأن "السحر يضر" وقع فى الشرك بالله    الرئيس السيسي يؤكد التزام الدولة الراسخ باستقلال القضاء بوصفه ركيزة دستورية أساسية    لشبهة الكيدية، النواب يرفض طلبا برفع الحصانة البرلمانية عن أحد الأعضاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مافيا «قصر العينى»

تورط «ملائكة الرحمة» وعمال المستشفيات في عمليات تهريب أجهزة طبية واتجار في الأدوية.. والاتفاق على السيناريوهات يتم على «مقاهى العيانين»
مدير مستشفيات جامعة القاهرة السابق: قصر العينى كبير والسرقة موجودة ونعاقب العمال بالفصل
رئيس جامعة القاهرة يرفض التعليق على وقائع «التهريب والسرقة».. ومدير المستشفيات يؤكد: «بنراقب كل حاجة بالكاميرات»
الدكتور جابر نصار.. «أمر طبيعى وكل أسبوع كنت بضبط عمال وممرضين بيبيعوا أدوية المستشفى»
الكتابة عن الفساد فقدت نكهتها.. الكلمات هي الأخرى أصبحت بلا حول ولا قوة.. شبيهة بالقوانين، لا تسمن ولا تغنى من جوع.. ففى مصر الجميع فوق القانون، إلا الفقراء والمرضى منا الذين لا يمتلكون من حياتهم إلا الستر والصحة، وعندما تذهب الأخيرة تصبح أرواحهم مكشوفة ومتاحة ل"الفاسدين".
جولة واحدة داخل مستشفى.. قصر العينى القديم، كافية للتأكد من أن القانون لا يعترف بالفقراء، فعبارات الطمأنة لا تخرج إلا ب"البقشيش"، الأدوية التي من المفترض أن توفرها الحكومة لمواطنيها لن تجدها، الأطباء لا حول لهم ولا قوة، وكل هذا لا لشيء إلا لأن مجموعة من الموظفين داخل المستشفى العريق قرروا أن الفقراء لا يصلحون للحياة، وأن من يملك المال فقط هو من يستحق العلاج والدواء والشفاء أيضا.
على كرسى متحرك تجلس «إسراء»، تنقل أعينها المجهدة بين زوجها الذي افترش الأرض ليختطف دقائق من النوم بعد ساعات طويلة قضاها داخل صالة استقبال مستشفى الطوارئ بقصر العينى القديم (185).. وشقيقتها التي تنتظر الحصول على أشعة الرنين المغناطيسى التي خضعت لها «إسراء» بعدما فقدت القدرة على تحريك أطرافها منذ 3 أيام، وأصبحت غير قادرة على الأكل أو الشرب خلال تلك الأيام.
المريضة.. زوجها.. وشقيقتها، الثلاثة تظهر على ملامحهم علامات التعب، ورغم هذا لا يزالون يتمسكون ب«خيط أمل»، رغم الصدمات القاسية التي تتلقاها أرواحهم منذ وطأت أقدامهم المكان.
شقيقة «إسراء» روت تفاصيل ما حدث خلال الأيام الثلاثة قائلة: «عملنا لها أشعة على الجهاز الهضمي، وكشف نساء كامل، ومفيش حاجة، بنيجى هنا من ثلاثة أيام»، وقد وصل زوج إسراء إلى المستشفى في السادسة صباحا، وانتظر دور زوجته في تلقى العلاج بالمستشفى، ورفضت إدارة المستشفى إعطاء زوجته المحاليل الطبية المطلوبة باعتبارها غير مريضة، رغم أنها لم تخضع لكشف الرنين المغناطيسي، ولم تخضع لاختبار نفسي، كما أن بقاءها دون طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام يستدعى حصولهم على محاليل، والممرضة بتعاملنا معاملة وحشة، وقالت لنا إنها بتدلع، واشترينا محاليل على حسابنا ب200 جنيه».
«إسراء».. لم تكن الحالة الوحيدة التي عانت من نقص الأدوية، فقد وثقت محررة «فيتو» عددًا من الحالات الأخرى، أمام مستشفى الحالات الحرجة بقصر العيني.
قائمة الضحايا تضم «أم مينا» التي روت قصتها قائلة: «لفينا على ثلاثة مستشفيات لحد ما جينا هنا، وبدأت رحلتي في البحث عن سرير بالمستشفى، وبعد معاناة وجدت سريرا في عنبر السيدات ودفعت 30 ألف جنيه مصروفات العملية، واشتريت دعامة القلب من خارج المستشفى، والقسطرة كمان من برة وعلى حسابنا».
أمام مستشفى النساء والتوليد جلست شقيقة سميرة بانتظار إجراء شقيقتها عملية جراحية عاجلة، بسبب موت الجنين داخل رحمها، ففى البداية كانت تعانى من فقر الدم، وارتفاع في ضغط الدم، وضعف في عضلة القلب، وتسببت هذه الأمراض في موت الجنين داخل الرحم، ما استدعى إجراء عملية جراحية عاجلة: «المستشفى سلمنا قائمة أدوية نشتريها من برة، أخويا خرج اشتراها، ودفعنا أكثر من ألف جنيه ثمنا لهذه الأدوية».
الأدوية الناقصة
طبقا لما أعلنته الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة في شهر مارس الماضى يوجد 336 دواء من الفئة الأولى غير متوافر، ولا يوجد له بديل، كما يوجد 287 دواء غير متوافر، وله بديل في الفئة الأولى، ويوجد 49 مستحضرا من الفئة الثانية لا يوجد لها بديل، و342 مستحضرا شهدت نقصا ولها بديل، وكانت نقابة الصيادلة والمركز المصرى للحق في الدواء أعلنوا أن الأدوية الناقصة يتجاوز عددها ال1800 صنف.
ولا يخفى على أحد نقص الأدوية بالمستشفيات المصرية، بعدما ارتفعت وتيرته بعد قرار تحرير سعر صرف الدولار، ويعانى سوق الأدوية في مصر من نقص حاد، بسبب ارتفاع أسعار الدواء إلى الضعف، ورفض المتعهدين توريد الأدوية بالأسعار القديمة، ومع هذا الوضع ازدهرت عمليات تهريب الأدوية من قبل عمال وممرضى المستشفيات الحكومية، ومنها مستشفى قصر العيني، وبيعها إلى المرضى بأضعاف سعرها مستغلين حاجتهم إليها.
مافيا بيع الأدوية
وعلى مدي 9 أشهر، خاضتها معدة التحقيق للبحث عن عصابات بيع الأدوية والأجهزة، داخل مستشفى قصر العينى التقت المحررة ب«محمد» (اسم مستعار) ممرض بوحدة الحالات الحرجة، الذي أكد وجود عصابات لتهريب الأدوية من داخل المستشفى.
وقال «محمد»: ارتفاع أسعار الأدوية، ونقصها في كثير من الأحيان، جعل بعض الناس يلجئون إلى المستشفيات الحكومية لشراء نواقص الأدوية، والمحاليل الطبية وبعض أدوية الكلى والسكرى والضغط، وبعض العمال بمستشفى قصر العينى أصبحوا يعملون كشبكات لبيع أدوية المستشفى و«كله بثمنه».
شراء الأدوية
داخل وحدة الطوارئ، التقت معدة التحقيق إحدى الممرضات لشراء محاليل طبية في 7 يوليو 2017، بدعوى أن والدها يجرى عملية قلب، ويحتاج إلى هذه المحاليل، بالفعل اتفقت المحررة مع الممرضة سماح (اسم مستعار) لشراء المحاليل من الوحدة، واتضح أن «سماح» تعمل عضوا وظيفته إتمام الصفقات والبيع.
وقد وثقت معدة التحقيق حادث البيع بكاميرا سرية، وانتظرت المحررة داخل غرفة الممرضين، وقد أخبرتها سماح بأنها تقوم بذلك منذ فترة طويلة بمساعدة زميلاتها «تاخدى الحاجة وتخبيها في الشنطة، وتخرجى من باب غير اللى دخلتى منه، ومتكلميش حد لو حد سألك انتى متعرفنيش»، وبعد نحو ساعة حصلت معدة التحقيق على زجاجتى محلول مقابل أقل من مائتى جنيه.
الدواء لم يكن «البيزنس» الوحيد في القطاع الصحى، فالجولة داخل «أرض قصر العينى» كشفت أيضا أن هناك تخصصات أخرى، منها تلك المتخصصة في الأجهزة الطبية، التي تختلف عن مافيا الأدوية من حيث طرق التهريب ووسائله، فحين يقتصر تهريب الأدوية على المهرب والمشتري، فإن عمليات بيع الأجهزة تتضمن أطرافا أخرى.
أحمد «اسم مستعار» عامل بالمستشفى قسم الحالات الحرجة، قال: الأجهزة التي يتم تهريبها تكون مستعملة، ويخرج العمال إذنا لتحويلها إلى مخزن الخردة، وغالبا ما يشارك بالصفقة «وسيط» لنقل الأجهزة إلى الموزع الرئيسى أو إلى تجار الخردة، وغالبا ما تكون سيارة إسعاف أو أحد تجار الخردة.
اعترف «أحمد» أن الوسيط يحصل على نسبة من الصفقة، ووجوده ضرورى منعا للشبهات، وأكمل: الأجهزة غالبا ما تكون خفيفة ورخيصة نوعا ما مثل الكراسى المتحركة، فلا يستطيع أحد سرقة الأجهزة الكبيرة مثل أجهزة وحدة الكلى، ويتم سرقة الأجهزة الكبيرة على شكل قطع غيار، أما الأجهزة الصغيرة الحجم فيتم إخفاؤها بالملابس وبيعها في مقاهى قصر العيني.
خلال فترة إتمام التحقيق، وثقت معدة التحقيق حادثة سرقة بعض الأجهزة الطبية من أمام مستشفى أبو الريش اليابانى بكاميرا سرية، وقد وقف عدد من العمال يجمعون بعض الكراسى المتحركة، ومراوح السقف، والأطباق المعدنية المستعملة من المستشفى، ونقلت إحدى سيارات الإسعاف هذه الأجهزة إلى الموزع الرئيسى بقصر العيني، بعد حصول العمال على الأموال من بيع الأجهزة.
وأضاف: مافيا الأجهزة الطبية تُخرجها ضمن مخلفات المستشفى أو الخردة، موضحا أن إحدى العاملات توجهت إلى إدارة الجامعة بعد القبض عليها، واعترفت على الدكتور الذي حرضها على سرقة قطع غيار أحد الأجهزة الطبية، وهى قطعة صغيرة تكلفتها 25 ألف جنيه.
داخل مخزن الخردة بمستشفى قصر العيني
غالبا ما يستخرج العمال إذنا لإخراج الأجهزة الطبية «العهدة» إلى مخزن الخردة، وخلال تلك العملية يسرقون بعض قطع الغيار مرتفعة الثمن من الأجهزة الغالية.
وفى مقابلة أجرتها معدة التحقيق لشراء كراسيّ متحركة من المخزن، أكدت للعمال أنها تعمل لصالح جمعية خيرية، وتحتاج إلى كراسيّ متحركة مستعملة، وأخبرها العمال، أن الصفقة ستتم بمساعدة أحد تجار الخردة، لاستحالة بيع الأجهزة وإخراجها دون مساعدته « مقدرش أخرج الحاجة من غير عربية، الأمن يلبسنى قضية، لازم حد من التجار يخرجها في وسط الحاجات اللى اشتراها من المزاد».
أمر طبيعى ووارد والعقوبة محدودة
في سياق متصل علق الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق على الأمر بقوله: قصر العينى يوجد به 6800 سرير في 12 قسما مختلفا، ويعمل به 20 ألف موظف، ونحو 4200 دكتور، والجريمة واردة مع هذا العدد الضخم.
واعتبر رئيس الجامعة السابق «سرقة الأدوية والأجهزة الطبية» ظاهرة موجودة بالمستشفيات الجامعية، وقال: هناك عصابات تبيع الأدوية والأجهزة الطبية بقصر العيني، لكن إدارة المستشفى تقبض عليهم، وهناك حالات تستطيع الهروب من العقاب، وأسوأ ما في المنظومة الحكومية هو الموظف.
وأضاف «نصار» في اللقاء الذي أجرته معه معدة التحقيق: الحالات التي يتم إلقاء القبض عليها يتم وقفها عن العمل، وفصلها نهائيا، وتحويلها إلى النيابة فورا.
وانتقد عمليات السرقة والتهريب، قائلًا: «سرقة الأدوية نوع من الخسة والندالة، لأنها تعرض حياة المرضى للخطر، يعنى إيه مريض في وحدة الطوارئ يكتب له حقنة غالية لإنعاشه من الغيبوبة أو الحادث الذي تعرض له، يسرقها الممرض ويبيعها برة».
وفسر «نصار» أسباب وجود عصابات الأدوية بقوله: في الأيام الأولى بعدما توليت رئاسة الجامعة كانت تأتى إلى مكتبى كل يوم خميس أسبوعيا أكثر من 150 حالة سرقة أو تهريب تخص مستشفيات الجامعة، كنت أحيلها إلى النيابة الإدارية، التي كانت تفتح تحقيقا في الواقعة بعد مرور عام على حدوثها، وتصدر الحكم بعد عامين، وفى الغالب يكون خصم 3 أيام من الراتب، أو إيقاف مؤقت عن العمل.
ومع انتشار الظاهرة حاولت جامعة القاهرة التصدى لها، حيث أسس رئيس الجامعة السابق قسم شئون قانونية من خمسة محامين مهمتهم بحث شكوى السرقة في المستشفيات الجامعية، وإحالتها فورا إلى مكتب رئيس الجامعة، والذي يقوم بالوقف الفورى عن العمل.
يبقى سؤال كيف تتم عمليات السرقة؟ يخبرنا الدكتور نصار، أن حوادث السرقة الحالية تكون بمساعدة أحد النواب، والذي يكتب روشتة مضروبة يتم صرفها من صيدلة القصر العينى باعتبارها روشتة عادية.
مقاهى قصر العينى.. أرض «تسليم المسروقات»
مع زيادة الصفقات وكثرتها يبقى سؤال عن مكان تسليم المسروقات، غالبا يتم تسليم الأجهزة «بمقاهى العيانين «بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية بالمستشفى، أمام مستشفى قصر العينى الجديد «الفرنساوي»، توجد ثلاثة مقاه مواجهة له، معروفة بين العامة باسم «مقاهى العيانين» وتزدحم بالمرضى والعمال بعد الساعة الثانية ظهرا.
وكانت معدة التحقيق شاهدا على عدد من الصفقات، وغالبا ما يُنهى العمال والموظفون صفقات بيع الأجهزة الطبية المهربة صغيرة الحجم داخل المقاهي، لتأخذ الأجهزة طريقها إلى محال الأجهزة الطبية بمنطقة السيدة زينب.
بدوره برر الدكتور هشام عامر، مدير المستشفيات الجامعية بجامعة القاهرة السابق حوادث السرقة باعتبارها أمرا واردا، وقال: مستشفى قصر العينى كبير، ويعمل به عدد كبير من العمال، والأمر وارد، وإدارة المستشفى ألقت القبض على مجموعة من العمال هربوا 16 متر كابلات كهرباء، وتم إحالتهم للشئون القانونية، وفى حالة ثبوت التهمة، يتم فصلهم نهائيا من المستشفى، وإحالتهم إلى النيابة فورا.
الجامعة تحارب الفساد
الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة قال: الفساد المالى مسألة خطيرة، ومن جانبى أتحفظ على الحديث في مسألة سرقة أدوية مستشفى قصر العينى لحين فتح تحقيق رسمي.
وتابع: قصر العينى يقدم كثيرا تحت إدارة الدكتور فتحى خضير عميد كلية طب قصر العيني، وإدارة الجامعة ترفض الفساد بكل أنواعه وتحاربه، والأدوية والأجهزة في قصر العينى تقع ضمن العهد من الصعب خروجها أو بيعها.
بدوره علق الدكتور فتحى خضير، عميد كلية طب قصر العيني: أي شخص يسرق الأدوية من قصر العينى مهما كان منصبه، تتم إحالته للشئون القانونية، ويوقف فورا عن عمله لحين انتهاء التحقيق، وإذا ثبتت عليه الجريمة تتم إحالته إلى النيابة.
في السياق قال الدكتور أحمد صبحي، أستاذ جراحة التجميل بكلية طب قصر العيني، مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة: إدارة المستشفى وضعت كاميرات في جميع المباني، يراقبها عامل أمن، وأى شخص تشك إدارة الأمن فيه يتم تفتيشه وإحالته إلى التحقيق الفوري، والإدارة لا تتستر على الفساد أبدا.
الأدوية والأجهزة الناقصة بقصر العيني
تأثر مستشفى قصر العينى كبقية المستشفيات بتحرير سعر صرف العملة، الذي أدى إلى نقص شديد في سوق الدواء المصري، هو ما أوضحه الدكتور هشام عامر مدير عام المستشفيات الجامعية بجامعة القاهرة السابق، بقوله: مستشفى قصر العينى حصل على الميزانية المالية، التي كان مقررا أن تصرفها له إدارة الجامعة، وهذه الأموال ستعمل على سد العجز في الأدوية الناقصة.
وقد حصلت فيتو على قوائم الأدوية الناقصة، وتشمل الأدوية الخاصة بمرض القلب، وأدوية تخص الفشل الكلوي، وصبغات الأشعة، الكابرس، ومينى برس، ثرومبكس كريم، بيكوم أمبول، وأسبوسيد، وبعض المحاليل الطبية، وبعض أدوية السكرى والضغط والقلب، وشملت بعض المستلزمات الطبية مثل قفازات ولاصقات طبية، ورول تعقيم، وتشمل الأجهزة الناقصة مرتبة هوائية، منظار حنجري، ومراوح سقف، سخان كهرباء، إضافة إلى جهاز غسيل كلوى لوحدة الكلى.
ميزانية قصر العيني
تخصص جامعة القاهرة ميزانية ضخمة لمستشفى قصر العينى لشراء الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية وتجديد الأبنية، وفى تصريحات سابقة للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، أوضح أن ميزانية قصر العينى بلغت 500 مليون جنيه وهى غير كافية لأن مستشفيات الجامعة تحتاج سنويا إلى 2.5 مليار جنيه، من أجل أن تتمكن من تقديم خدمة علاجية جيدة للعاملين بالجامعة وللمرضى المقبلين إليها من الأقاليم.
في حين أكد رئيس الجامعة السابق، الدكتور جابر نصار أن ميزانية الأدوية وصلت إلى 72 مليون جنيه، وميزانية مستشفى الطوارئ وصلت إلى 240 مليون جنيه، كما خصصت الجامعة مليون جنيه نقدا لخدمة الحالات الحرجة.
العمال سبب الفساد
يعترف الدكتور «نصار» أن الجهاز الإدارى الحكومى هو أحد أسباب مشكلة الفساد ليس فقط في قصر العينى ولكن أيضا في مصر كلها، حيث قال: قصر العينى مؤسسة ضخمة وتحاول تطوير نفسها، ويوجد به 6800 سرير داخل أكثر من 12 قسما، ويعمل بها 4200 طبيب، كما يعمل بمستشفيات جامعة القاهرة 20 ألف موظف، وتحتاج المستشفيات منهم إلى 15 ألفا فقط».
وواصل: جزء من شبكة الفساد شخصى ونفسى ومجتمعي، «العامل الصغير يبرر لنفسه سرقة الأدوية، وتقاضى الرشوة باعتبار أن راتبه صغير لا يكفي، كما أن الممرضة تبيح لنفسها تقاضى الرشوة وابتزاز المرضى، والعمالة الزائدة تضغط على المكان «لوكان الأمر بيدى كنت قعدت العمالة الزائدة في البيت، ووفرت مواصلات وكهرباء وياخدوا مرتبهم عادى وترتاح المستشفى من شرهم، يروحوا يشتغلوا في حتة تانية».
النظام الإلكترونى هو الحل
وفيما تعتمد المستشفيات في الدول الأجنبية على النظام الإلكترونى في صرف الأدوية عن طريق الكمبيوتر، وقاعدة بيانات بأخبرنا الدكتور جابر نصار أنه حاول تطبيق هذا النظام بمستشفيات جامعة القاهرة إلا أن محاولته باءت بالفشل، موضحا أنه أراد تطبيق منظومة صرف الدواء الموجود بقصر العينى الفرنساوى في مستشفى قصر العينى القديم، وهو يقوم على صرف الدواء للعاملين بالروشتة، ويتم إرسالها إلى إدارة الجامعة، مؤكدا أن هذه المنظومة ساهمت في تقليل مصروفات الأدوية في قصر العينى الفرنساوى من 12 مليونا إلى 4 ملايين جنيه، خاصة أن الجامعة توفر خصما خاصا للعاملين بالجامعة على الأدوية، وكان بعض الموظفين يستغلونه لصرف أدوية بديلة..
«نصار» أكد أن معهد الأورام لجأ لحل آخر في مشكلة سرقة الأدوية بتفتيش العمال والموظفين قبل خروجهم من المستشفى، وخاصة أن بعض أدوية السرطان يصل سعر الجرعة الواحدة منها إلى 25 ألف جنيه، إذا لم يحصل عليها المريض يموت فورا.
سرقة الأدوية جريمة جنائية
يبقى السؤال عن العقاب القانونى لمثل هذه الظاهرة في المستشفيات، وينص قانون العقوبات المصرى رقم 95 لسنة 2003 على أن كل موظف عام تاجر بأعمال الوظيفة، المختص بها، من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ يعاقب بالسجن المشدد والغرامة وتختلف هذه العقوبة حسب اختلاف الوظيفة وحجم الضرر.
في هذا السياق قالت الدكتورة فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الجنائى بكلية حقوق جامعة القاهرة، وعميد الكلية الأسبق: سرقة أدوية وأجهزة قصر العينى يعد اختلاس مال عام، وهى جريمة جنائية، وعقوبة الاختلاس من المال العام تصل إلى الأشغال الشاقة، والسجن من 3 إلى 15 سنة، وبلاغ إلى النيابة العامة كفيل بفتح تحقيق، مع اعتبار «الأدوية أو الأجهزة» دليل إدانة»، وتابعت: في حالة استعانة الممرض أو العامل بروشتة مزورة للحصول على الأدوية، أو استخراج أوراق مزورة لإخراج الأجهزة كخردة تشكل جريمة أخرى وهى جريمة التزوير، كما أن سرقة الأدوية من المريض تعرض حياته للخطر، ومن حقه مقاضاة الممرض أو العامل الذي قام بهذا الفعل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.