مثلث حلايب وشلاتين جزء من أرض مصر, هذا ما أكده المؤرخون وموثقو ترسيم الحدود بين مصر والسودان, فتاريخ ترسيم الحدود بين البلدين يعود إلى اتفاقية الاحتلال البريطانى عام 1899، وضمت المناطق من دائرة عرض 22 شمالا لمصر ، وعليها يقع مثلث حلايب داخل الحدود المصرية، ثم أعيد الترسيم بعد ثلاثة أعوام من تاريخ الاتفاقية، ليجعل مثلث حلايب تابعا لإدارة السودان، استنادا لقربه للخرطوم منه للقاهرة، ما دفع السودان إلى اعتبار حلايب وشلاتين ضمن سيادة أراضيها، رغم أن السودان نفسها كانت ضمن السيادة المصرية عند هذا الترسيم. المنطقة التى باتت محل نزاع حدودى بين الشقيقتين العربيتين، وتبلغ مساحتها 20,580 كم2، وتشمل ثلاث بلدات كبرى هى حلايب وأبو رماد وشلاتين، أثبتت وثائق تركية أنها مصرية تماماً بل إن مصر تمتلك خط عرض كامل فى الأرض السودانية منذ أن نالت السودان استقلالها عام 1955، لم تظهر للعيان أزمة حلايب، ولكن بدأت تتفجر عام 1958عند بداية انتخاباتها البرلمانية، وفى ذلك العام أرسل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قواته إلى المنطقة قبل سحبها إثر اعتراض الخرطوم، وتجددت الأزمة الثانية عام 1981 على خلفية أعمال التنقيب عن البترول ، رغم العلاقة الشخصية بين الرئيسين جعفر نميرى وأنور السادات، أما الأزمة الثالثة فكانت عام 1985، عند إقامة حظائر مفتوحة فى المنطقة، وخمدت المشكلة سريعاً ولم تجد اهتماما إعلاميا من البلدين. بينما نشبت الأزمة الرابعة عام 1992، عندما اعترضت مصر على إعطاء حكومة السودان حقوق التنقيب عن البترول فى المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، فانسحبت الشركة حتى يتم الفصل فى مسألة السيادة على المنطقة، وأعقب الأزمة سحب البلدان قواتهما من المنطقة، فى حين حلت الأزمة الخامسة فى 2010 أثناء فترة الانتخابات السودانية الأخيرة، وتصريحات الرئيس عمرالبشير بسودانية حلايب. المؤرخ المصرى الراحل الدكتور يونان لبيب رزق، وثق تاريخ ترسيم الحدود بين البلدين من خلال دراسته «نشأة الحدود المصرية السودانية فى العصور الحديثة»، معتمداً على عدد من الوثائق الموجودة فى تركيا، التى تؤكد أن خط الحدود بين مصر والسودان عند خط عرض 21 وليس 22 كما تظهره بعض الخرائط, مما يعنى أن مصر لها حق فى الأراضى السودانية بمقدار خط عرض كامل, والمعروف أن مصر قد استعانت فى التحكيم الدولى الخاص بطابا بالوثائق التركية التى أثبتت الحق المصرى فى طابا. الدراسة ذكرت «أن اتفاقية السودان التى تم توقيعها فى 19 يناير عام 1899 بين مصر وإنجلترا, وضعت خط عرض 22 شمالاً كحدود بين مصر والسودان, على خلاف الحقيقة, لوجود خط آخر لتلك الحدود بفارق خط عرض كامل لصالح مصر فى فترة الاحتلال التركى, وذلك ما تظهره الوثائق, ففى 13 فبراير عام 1841 ظهرت على الخرائط الحدود بين مصر والسودان, وهى حدود ارتبطت بالتسوية الشهيرة التى تمت بين القاهرةوإسطنبول بعد الحرب التى استمرت بين الجانبين، والتى تمت على مرحلتين فى مؤتمر لندن عام 1840, لتضع الدول الكبرى آنذاك خطوطها الأساسية, ويصدر الباب العالى فرمان 1841 مجسداً قرارات المؤتمر. وأشارت الدراسة إلى أنه جاء بالفرمان, فيما يخص السودان, أن محمد على، والى مصر، «سدتنا الملوكية قد ثبتتكم على ولاية مصر بطريق التوارث بشروط معلومة وحدود معينة، وقد قلدتكم فضلاً عن ولاية مصر، ولاية مقاطعات النوبة والدارفور وكوردفان وسنار وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر، ولكن بغير حق التوارث, فبقوة الاختيار والحكمة التى تميزتم بها تقومون بإدارة هذه المقاطعات، وترتيب شئونها بما يوافق عدالتنا، وتوفير الأسباب الآلية لسعادة الأهليين، وترسلون فى كل سنة قائمة إلى بابنا العالى حاوية ببيان الإيرادات السنوية جميعها». ورغم أن الفرمان لم يشر لحدود مصرية سودانية، فقدكان ينظر إلى جنوب الوادى باعتباره مقاطعات ملحقة بمصر- الا أن الباب العالى ألحق بالفرمان خريطة تبين حدود مصر الأصلية, كما كان يطلق عليها. الدكتور يونان ذكر فى دراسته أن العثور على هذه الخريطة التى بعث بها الباب العالى تطلب وقتاً، فقد بحثت عنها السلطات المصرية أول مرة خلال الأزمة التى وقعت مع الجانب العثمانى عام 1906, عند تعيين حدود مصر الشرقية والمعروفة بأزمة طابا, ولم تعثر عليها السلطات ضمن محفوظاتها، وطلبت من حكومة إسطنبول أن تبرز نسختها من الخرائط ، ولكنها تقاعست ، مما جعل الجانب المصرى يعتقد أن الخريطة تخدم وجهة نظره فى تلك المفاوضات. وفى عام 1925 وخلال المفاوضات المصرية الإيطالية لتعيين الحدود الغربية بين مصر وليبيا، طلبت القاهرة من حكومة أنقرة إبراز تلك الخرائط ، ولم تتأخر الحكومة التركية فى تقديمها، هذه المرة, للحكومة المصرية، فلم يكن من مصلحتها إخفاؤها بعد أن تخلى الأتراك عن أية ادعاءات لهم فى العالم العربى فى مؤتمر لوزان الذى انعقد قبل ذلك بعامين. وكانت المفاجأة, التى أوردتها الدراسة, وكشفت عنها الخرائط أن الحدود الجنوبية، وهى الحدود المصرية السودانية بدايتها الشرقية عند البحر الأحمر، وأن هذه النقطة تبدأ عند خليج راوى. كما جاء بالدراسة أنه فى سبتمبر عام 1879، كانت هناك مذكرة أرسلها «جوردون» حكمدار السودان إلى «فرانك لاسال» المعتمد البريطانى فى القاهرة، تفيد بأن نقطة بداية الحدود فى البحر استمرت كما هى عند خليج راوى جنوب خط 22 بنحو خط عرض كامل, وما أصاب خط الحدود من استقامة يمكن إرجاعه إلى ما حدث فى عصر الخديوى إسماعيل من امتداد السلطة المصرية إلى غرب السودان بعد إسقاط سلطنة دارفور, مما أتاح للخط فى المنطقة الغربية فرصة للتحديد لم تكن متاحة من قبل. الدراسة كشفت أيضاً عن مذكرة أرسلها فخرى باشا للمعتمد الإيطالى بالقاهرة عام 1881 السنيور دى مارتينيو, جاء فيها «إن حدود مصر الأصلية عند البحر الأحمر تبدأ عند نفس النقطة عند خليج راوى عند خط عرض 21 شمالاً، وألحق بها خريطة تؤكد نفس الحقيقة». الدكتور يونان رزق أكد فى دراسته مصرية حلايب، قائلا: «إن مثلث حلايب مصرى، وتعيين الحدود وفقاً للتوزيعات السكانية لم يتم العمل به إلا فى أوضاع قليلة، كما أنه فى مثلث حلايب, أفخاد قبيلة البشارية الواقعة شمال خط 22 والتى تتنوع روابطها فى مصر أكثر مما ترتبط بالسودان, وهو ما أكدته وثيقة بريطانية تتحدث عن بدنات البشارية المقيمة شمال خط 22». وتابع: «جاء عن بدنة الحمادورآب أن لهم علاقات متنوعة مع العبابدة فى مصر ويتصاهرون معهم كثيراً, ولهم قرى دائمة فى أسوان ودراو وغيرها من الأماكن على النيل، أما الألياب فقد جاء عنهم» لهم نفس الروابط مع العبابدة التى للحمودوراب»، وعن « الأمراب» فجاء عنهم القول «إن لهم علاقات واضحة مع أسواق جنوب مصر، ولم يتبق غير الشانتيراب الذين جاء عنهم القول إنهم ينتقلون عبر خط 22 لأغراض قبلية». وما جاء فى الوثيقة يشير إلى حقيقة, لم نكن نعلمها, من قبل، وهى أن الترتيبات الإدارية لم تتم لأسباب بشرية متعلقة بمصلحة أبناء القبائل المقيمين شمال خط 22 بقدر ما تمت لأسباب إدارية تتصل برغبة حكام الخرطوم البريطانيين فى التعامل مع ناظر واحد للبشارية، الذين آثروا أن يضعوهم جميعاً فى سلة واحدة- كما جاء فى دراسة دكتور يونان- مؤكداً أن المفندين لخط 22 باعتباره خط الحدود المصرية السودانية انصرفت أنظارهم لجانب واحد فى القضية، وهو إضعاف حجية خط العرض 21 لحساب خط الحد الإدارى الذى نشأ عن قرار من ناظر الداخلية المصرية, ولم ينتبهوا إلى أن هذا الإضعاف يمكن أن يأتى على حساب خط حدود مصر الأصلية الذى قرره فرمان سلطانى استند على قرارات مؤتمر دولى. وقد أكدت الوثائق الخاصة بترسيم الحدود بين مصر والسودان أنه فى عام 1899 رسمت بريطانيا خط عرض22، فدخلت حلايب الأراضى المصرية، وبعد 3سنوات, أى فى عام 1902 رسمت بريطانيا خط عرض أدخل حلايب الأراضى السودانية، وبقيت تحكم إداريا من الجانب السودانى حتى عام1954عندما أرسل الرئيس عبد الناصر الجيش المصرى لحلايب، وأعلنها أرضا مصرية, لكنه تراجع بعد إعلان الخرطوم لغضبها من هذا التصرف. وفى عام 1992 ظهرت بوادر وجود آبار للبترول بحلايب، وتعاقدت حكومة الخرطوم مع شركة كندية للتنقيب عن البترول, ليتدخل مبارك, وأرسل الجيش المصرى ووضع يده عليها، ومنذ ذلك الحين وهى فى سلطة الجانب المصرى, وفى عام 2010 أثناء فترة الانتخابات البرلمانية السودانية، أدخل الجانب السودانى أصوات الناخبين من قبائل حلايب ضمن المجمع الانتخابى السودانى, مما دفع مبارك لاعتقال كل قيادات قبائل البشايروش السودانية وفى انتخابات 2011 شاركت حلايب المصرية فى انتخابات الشعب المصرية، وتم فرز الأصوات بها, ونقلت بطائرة حربية إلى الغردقة ومنها للقاهرة. ولا يمكن إغفال تواجد قوة تعزيزات من كتائب صواريخ ومشاة الجيش المصرى فى مثلث حلايب.