رغم التأثير الواسع والكبير لخطوة الإخوان غير المفاجئة بترشيح النائب الأول لمرشدهم لمنصب رئيس الجمهورية، خلافا لتعهداتهم السابقة بالابتعاد عن المنصب، إلا أن مفاجآت الانتخابات الرئاسية لن تتوقف عند هذا الحد ، رغم أنه لم يتبق على إغلاق باب الترشح سوى خمسة أيام. فحتى الآن لم يصل إلى لجنة الانتخابات الرئاسية نتائج الاستعلام الذي طلبته من وزارتة الخارجية، ومصلحة الجوازات حول المرشحين الذين تقدموا بالفعل للرئاسة،فضلا عن أن هناك بعض المرشحين لم يتقدموا حتى الآن بأوراق ترشحهم، وينتظر أن يحدث ذلك في غضون الأيام القليلة المتبقية، وسوف تستعلم لجنة الانتخابات الرئاسية عنهم أيضا، ومن المنتظر أن تحمل معلومات الاستعلام مفاجآت لا تقل دويا عن خطوة الإعلان عن مشاركة المهندس خيرت الشاطر في الانتخابات الرئاسية، بل ربما جاءت لتصب في مصلحته، بإزاحة اثنين من المرشحين الذين ينتمون لذات التيار من السباق الرئاسي، هما حازم صلاح ابو اسماعيل والدكتور محمد سليم العوا...فالمعلومات الأولية التي تجمعت في حوزة الجهات التي تقوم بالاستعلام تكشف عن حيازة والدة الأول السيدة نوال عبد العزيز نور الجنسية الامريكية لفترة من الوقت،وهو مانع قانوني ودستوري لترشحه،كما تكشف أيضا صعوبة التوثق من الجنسية المصرية لعائلة «الأب والأم» للثانى ،وهو الشرط الضروري واللازم للترشح للرئاسة. وإذا انتهت لجنة الانتخابات الرئاسية من تقييم هذه المعلومات،بعد وصولها إليها على أنها مانع قانوني للترشح بالنسبة لكلا المرشحين، فسوف تقتصر قائمة مرشحي التيار الإسلامي لمنصب رئيس الجمهورية على ثلاثة مرشحين فقط ،اثنان منهم لهما انتماء أيديولوجي لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، هما المهندس خيرت الشاطر النائب الأول سابقا لمرشد الجماعة، وعبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الجماعة سابقا،أما المرشح الثالث فهو باسم خفاجي...وفي الغالب سوف ينحصر التنافس بين الشاطر وأبو الفتوح على أصوات مؤيدي التيار الإسلامي السياسي، وهي منافسة ستكون ذات طابع شخصي نظرا لأن الشاطر كان وراء الإطاحة بابو الفتوح أولا من مكتب الإرشاد في آخر انتخابات له ،وثانيا من الجماعة ،عندما أصر على ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة،مخالفا قرار الجماعة السابق الذي تعهدت فيه بعدم الترشح في هذه الانتخابات،وهو التعهد الذي حنثت به الآن. غير أن المنافسة بين أبوالفتوح والشاطر الذي يشبهه الإخوان بالنبي يوسف سيكون لها تأثيرها داخل جماعة الإخوان، وداخل الكتلة السلفية أيضا.. فمازال هناك متحمسون لتأييد أبوالفتوح داخل الجماعة، رغم طرده منها، وهؤلاء لن تقل نسبتهم -طبقا لتقديرات محمد حبيب النائب السابق للمرشد عن 01٪ - وقد ترتفع هذه النسبة لتصل إلي 52٪ ، بعد قرار ترشح الشاطر، الذي احتاج لثلاثة اجتماعات لمكتب الإرشاد انخفض خلالها عدد المعارضين لهذا القرار من 18 إلي 25 عضوا من أعضاء المكتب، وفي ظل غضب عدد من شباب الجماعة من هذا القرار، وأيضا رفض -حتي- بعض القريبين له أبرزهم ابنة الشاطر نفسه. أما بين التيار السلفي، فإن للشاطر علاقات وروابط مصالح مع عدد من قادته، علي عكس أبوالفتوح ، ولعل هذا يفسر ما أعلنه بعض الإخوان عن تنسيق ما مع حزب النور قبل الإعلان عن ترشيح الشاطر، وإن كان قادة الحزب لم يؤكدوا ذلك.. بينما من المتوقع أن يذهب قليل من الأصوات الكثيرة المؤيدة لحازم صلاح أبواسماعيل داخل التيار السلفي لأبوالفتوح، إذا استبعد الأول، ومعه سليم العوا من السباق الرئاسي. أما إذا استمر حازم صلاح أبواسماعيل في السباق الانتخابي، فإن أغلبية أصوات السلفيين سوف تذهب له، وما تبقي من أصوات سوف ينافس الشاطر عليها كلا من أبوالفتوح ود. سليم العوا أيضا، إذا استمر هو الآخر في المنافسة، وإن كانت المعلومات الأولية لا ترجح استمرارهما أو علي الأقل استمرار حازم في السباق. وهذا يدحض بعض التحليلات التي رأت أن ترشح الشاطر جاء ثمرة اتفاق بين الإخوان والمجلس العسكري للإطاحة بحازم أبواسماعيل من السباق الرئاسي مع فرملة أبوالفتوح، وهو ما يعني ضمنا أن الشاطر قبل الترشح ليخسر، وهذا أمر يصعب علي رجل بتكوين الشاطر قبوله علي نفسه، كما يصعب علي جماعة الإخوان بأن تغامر في سبيل الإطاحة بمرشح بسمعتها ومصداقيتها وتعرض نفسها للاتهام بأنها لا تحترم كلمتها. بل إن ثمة تقديرات داخل الإخوان بأن فرصة الشاطر في الوصول إلي مقعد الرئاسة ليست قليلة، ولذلك دفعوا به إلي المنافسة متأخرا، غير مبالين بما لحق، وسيلحق بهم من انتقادات وهجوم من بقية التيارات والقوي السياسية، وغير مكترثين باتهامهم بأنهم حنثوا بتعهدهم بعدم تقديم مرشح لهم للرئاسة.. بل إن اهتمام الإخوان علي مدي عام بإسقاط الأحكام التي صدرت بحق الشاطر يشي بذلك، فهو لم يلح في ذلك من أجل حصوله فقط علي حق التصويت في الانتخابات الرئاسية، وإنما أيضا علي حق الترشح فيها. وبالتالي الأقرب للعقل أن الجماعة كانت منذ وقت مبكر تدخر الشاطر لهذا المنصب، وليس لمنصب رئيس الحكومة، كما سربت ذلك إعلاميا من قبل.. وكانت فقط تناور عندما أعلنت مبكرا «يوم 01 فبراير 1102» عدم ترشيحها أحد كوادرها للرئاسة.. فهي فعلت ذلك في سياق طمأنة الغرب ، حتي يبتلع جرعة وجودها الكبير علي الساحة السياسية المصرية، وبغرض أن تجتاز بنجاح الانتخابات البرلمانية أولاً ثم تجاهر بنيتها الأهم التي تخبئها.. ولعل هذا يفسر سر الموقف الحاد والقاسي الذي اتخذته قيادة الجماعة ضد أبوالفتوح، لأنه بترشيحه يقطح الطريق علي الشاطر. والجماعة تناور أيضا بما أعلنته من مبررات عندما أفصحت عن ترشيح الشاطر، وهي المبررات التي تحذر من تهديد للثورة ولعملية التحول الديمقراطي وتهديد أيضا، بحل مجلسي الشعب والشوري، فضلا عن إعاقة تشكيل حكومة جديدة.. ولعلنا نتذكر كيف مهدت قيادة الجماعة لترشيح الشاطر بالإعلان مبكرا عن إعداده لخطة للنهوض بمصر اقتصاديا، بل وسربوا أخبارا عن حصوله علي تعهدات بالحصول علي مساعدات مالية هائلة من دول عربية لمصر، ولذلك لم يكن غريبا أن يطلقوا عليه لقب أردوغان مصر الذي سوف يقيلها من عثرتها الاقتصادية الحالية. إذن ترشيح الإخوان للشاطر لم يكن مفاجئا ولا يستهدف مجرد عقاب أبوالفتوح علي تمرده وإصراره علي الترشح، أو السعي لتوحيد صفوف الجماعة بمرشح يلقي قبولا داخلها لعدم وجود هذا المرشح خارج الجماعة.. ولا يعد هذا الترشيح أيضا رد فعل علي ما أثار ضيق الإخوان من المجلس العسكري، مثلما لم يكن ثمرة اتفاق ضمني أو صريح بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة والإخوان، لأن المجلس الذي رأي كيف انقلب الإخوان علي حكومة الجنزوري وكيف سعوا للانفراد بعملية إعداد الدستور الجديد، يصعب أن يطمئن علي تنفيذ الإخوان لأية اتفاقات معهم، خاصة إذا كانت تتعلق بوضع ومكانة المؤسسة العسكرية في المستقبل، وهو الأمر الذي يهتم به كثيرا المجلس العسكري الآن ربما أكثر من اهتمامه بسلامة أعضائه بعد تسليمهم السلطة في 03 يونيو القادم.. وفوق ذلك كله فإن خيرت الشاطر ليس هو المرشح الذي يمكن أن يتوافق عليه المجلس العسكري مع الإخوان حتي إذا كان راغبا في التوافق معهم علي الرئيس القادم. علي كل حال فإن هذا الترشيح لخيرت الشاطر سوف يكون له تأثير علي خريطة السباق الرئاسي القائم حاليا، خاصة إذا ما استبعد من الترشيح حازم صلاح أبواسماعيل وربما د. العوا أيضا.. وهذا التأثير لن يقتصر فقط علي المرشحين أصحاب الخلفية الدينية فقط، إنما سيمتد إلي كل المرشحين حتي هؤلاء الذين لا ينتمون إلي التيار الديني السياسي.. فهذا سوف ينهي لغة الدبلوماسية التي كان يضطر إليها بعض مرشحي التيار المدني، سوف يصبح التنافس بين التيار المدني والتيار الديني أكثر وضوحاً في الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد غلق باب الترشيح يوم الأحد القادم الثامن من هذا الشهر.. أي ان خريطة السباق وأسلوب المرشحين الذين سوف يشاركون فعلا في السباق بعد استيفائهم شروط المشاركة سوف يفرض هذا التمييز بوضوح بين مرشحي التيار الديني ومرشحي التيار المدني، حتي وإن ظل البعض يتحدث عن مرشحي الثورة عندما يذكرون كلا من أبوالفتوح وحمدين صباحي.. فهذا الاصطفاف وراء ما هو مدني وما هو ديني سوف يحدث علي أرض واقع السباق الرئاسي خلال الأيام القادمة. لكن يتبقي أهم أثر قد يحدث لترشح الشاطر سواء مع خروج أو استمرار حازم والعوا وهو بدء سريان احساس بين المواطنين العاديين بأن الإخوان يسعون للتكويش علي كل السلطات في البلاد، وهذا الاحساس لن يكون في صالح مرشحهم، أو أي مرشح للتيار الديني.. وبالتالي سوف تكون حصيلة أصوات الناخبين التي سوف يحصل عليها الشاطر ترتبط عكسيا بهذا الاحساس.. كلما زاد كلما قلت معه الأصوات التي يحصل عليها.. وسوف يساعد علي زيادة هذا الاحساس مساومة الإخوان الآن للمجلس العسكري بسحب ترشيح الشاطر إذا ما أقال.. حكومة الجنزوري.