سد النهضة باق.. والضرر على مصر قادم، وأديس أبابا استطاعت استغلال التغيرات السياسية التي تعرضت لها مصر خلال السنوات الماضية في جعل أي مفاوضات حول عدم اكتمال بناء السد ضربا من الخيال. الوضع السابق أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي حين وقع اتفاقية المبادئ في العاصمة السودانية "الخرطوم" 2015 مع نظيره السودانى ورئيس الوزراء الإثيوبى، لتكون المفاوضات حول تقليل مخاطر السد على دولتى المصب «مصر – السودان»، وقواعد ملء الخزان لتكون على فترات طويلة تمكن مصر من تقبل مخاطر بناء السد التي تشير التقارير إلى أنه سيؤثر في كهرباء السد العالى إذ إن سعته التخزينية تصل إلى 74 مليار متر مكعب. تلك الصورة شبه المظلمة التي فرضتها الظروف منذ أبريل 2011 حين وضعت أديس أبابا حجر الأساس لمشروع سد النهضة، لها مخرج واضح أجمع عليه خبراء المياه ويبدو أنه الطريق الذي يسلكه الآن الرئيس عبد الفتاح السيسي لفرض سياج الأمان حول المصريين في أهم قضايا العصر التي تتعلق بالمياه. بحسب الاتفاقيات التاريخية فإن نصيب مصر والسودان من مياه نهر النيل 51%، تحصل مصر بموجبها على 55 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وهو ما يطلق عليه الحصة التاريخية للقاهرة في مياه نهر النيل، ويعد هذا الأمر هو المخرج الوحيد من أزمة سد النهضة. وخلال العامين الماضيين اقترح أكثر من خبير مائى أن يتم عقد اتفاقية تحفظ لمصر حقها في مياه النيل والتأكيد أن حصتها المقدرة ب55 مليار متر مكعب لن يتم المساس بها تحت أي ظرف، وهو الأمر الذي لقي توافقًا لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد أكثر من مرة أنه لا مساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل. الحاجة إلى اتفاقية جديدة تؤكد حصة مصر لم يكن من قبيل «البذخ» أو «استعراض العضلات» وإنما ردًا على اتفاقية «عنتيبي» التي تم توقيعها في أوغندا عام 2010 والتي رعتها ودعمتها أديس أبابا تمهيدًا لبناء سد النهضة. أخطر ما جاء في تلك الاتفاقية هو مبدأ إعادة تقسيم حصص مياه نهر النيل بما يحقق العدل والمساواة مع جميع الدول، وهى الجملة الحق التي أريد بها الباطل، إذ أن معظم دول حوض النيل لديها مصادر أخرى للمياه مثل الأمطار والبحيرات يجعلها لا تستفيد من نهر النيل إلا نادرًا أو من خلال بناء السدود وتوليد الكهرباء، وبموجب تلك المادة فإن مصر والسودان لن يكون حصتهما 51%، كما هو حادث الآن، ولعل تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل «زيناوي» أكدت ذلك حين أوضح أكثر من مرة أن الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل وقعت عليها أديس أبابا أثناء فترة احتلال، في إشارة إلى عدم الاعتراف بها. رد مصر على الاتفاقية كان جاهزًا من خلال رفضها، وشاركتها في نفس الموقف السودان والكونغو الديمقراطية وإريتريا وجنوب السودان، فيما وقعت على الاتفاقية «أوغندا - تنزانيا - كينيا - رواندا» فيما بات يعرف بدول التأييد الإثيوبي. تحركات الرئيس الأخيرة بالتزامن مع تعثر عمل المكاتب الفنية لسد النهضة، لم تكن من قبيل الصدفة، إذ أن زيارة أوغندا الخاطفة التي قام بها «السيسي» منذ شهرين لم تكن بعيدة عن حماية حصة مياه نهر النيل، وبالتحديد مع الدول التي وافقت على اتفاقية «عنتيبي» لكى تتراجع عن تلك الاتفاقية أو على الأقل يتم توقيع اتفاقية أخرى تكون فيها الغلبة لمصر بإقرار حقوقها التاريخية في مياه نهر النيل وهو ما قد يعده البعض الضربة القاسمة لأديس أبابا. مصادر داخل اللجنة الفنية أشارت -بشكل غير مباشر- إلى تلك التأكيدات، موضحة أن الرئيس "السيسي" يسعى بكل السبل لتأمين حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل، من خلال علاقات قوية مع الدول الكبيرة المؤثرة مثل «أوغندا - كينيا»، بجانب الدول المؤيدة للقاهرة بطبيعة الحال بما يفشل أي مخطط ينقص من تلك المياه. المصادر أوضحت أيضًا أنه ليس من المستبعد أن تكون تلك التحركات تمهيدًا لاتفاقية يتم التوقيع عليها لتحسم ملف سد النهضة، إذ إن اتفاقية كتلك تلزم إثيوبيا دوليًا بمرور الحصة المائية لمصر دون أي تباطؤ وإلا تعرضت لعقوبات دولية. يعزز هذا الاعتقاد الرعب الإثيوبى من زيارة الرئيس إلى أوغندا، وزيارة سلفاكير جنوب السودان إلى القاهرة منذ ما يقرب منذ شهر، إذ إن مسئولين في أديس أبابا زعموا أن هناك اتفاقيات يتم عقدها بين القاهرة والعواصم الأفريقية تستهدف زعزعة الأمن الإثيوبي، وهى اتهامات بلا أي دليل، ما دفع الرئيس السيسي إلى التأكيد أكثر من مرة أن مصر لا تتدخل في شئون أي دولة. من جهته أكد الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق، أن وجود اتفاقية تضمن حصة مصر التاريخية أمر مطروح، وقد يكون سبب تحركات الرئيس الأخيرة، إذ لا يمكن أن نفصل ذلك عن الدول التي تمت زيارتها وهى دولة أعلنت موافقتها على «عنتيبي»، ولكنها أيضًا أكدت حرصها على علاقات مصرية قوية. وأوضح «أبوزيد» أن القاهرة خلال الفترة الماضية قامت بالعديد من المساعدات لأوغندا من خلال إرسال كوادر بشرية قادرة على إفادة الشعب الأوغندي، وكانت الجائزة الكبرى جنوب السودان التي عدها البعض تابعًا لإثيوبيا وإذ برئيسها يأتى إلى مصر في زيارة تأكيد سيادة مصرية على القارة السمراء. «أبوزيد» شدد أيضًا في حديثه أن الرئيس السيسي يدرك أن سد النهضة أمر واقع لكنه في ذات الوقت يعمل على تأمين الحصة التاريخية من نهر النيل، والتي ستكون نقطة بداية يمكن من خلالها التعامل مع كل دول حوض النيل بشكل جيد.