أردوغان يعتمد خطة «صفر مشكلات» مع القاهرة.. و«كورتولموش» بروفيسور المصالحة أوغلو يؤكد أن الصداقة الجافة بين أنقرةوالقاهرة لا تنفع ولابد من المساهمة في تنمية البلدين اجتماعات في الرياض لوضع خارطة التهدئة.. وأنقرة تعهدت ل«ترامب» بضبط سلوك الجماعة زيارة وفد رجال الأعمال الأتراك يعقبها رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين العاصمتين «في السياسة لا توجد خصومة دائمة، ولا صداقة دائمة؛ فصديق اليوم من المحتمل أن يكون خصم الغد، وخصم الأمس قد يصبح صديق اليوم، ذلك شأنه في الأفراد والشعوب».. عبارة عبقرية وردت في كتاب «هكذا علمتنى الحياة» لمؤلفه الدكتور مصطفى السباعى، مؤسس حركة الإخوان في سوريا، شاءت الأقدار أن يعمل بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، في حياته السياسية ليقدم الدليل العملى على نهم بقراءة تراث جماعته وتطبيق النصائح الواردة بين السطور. هكذا هو أردوغان، يصادق وينقلب، ويضرب الطائرات بالصواريخ ثم يعقد الصفقات ويقدم التنازلات، فعلها مع الرئيس السورى بشار الأسد، ويحمل أرشيف التاريخ مجموعة من الصور تجعل المشاهد لها عاجزا عن استيعاب طريقة تحول الصداقة إلى عداء. بالأمس القريب بعدما أسقط المقاتلة الروسية فوق الأراضى السورية، هرول إلى روسيا مصافحا رئيسها فلاديمير بوتين، لتقديم الاعتذار، حتى الاحتلال الإسرائيلى نجح حفيد العثمانيين في عقد اتفافية صلح مع اليهود على حساب دماء أبناء شعبه المراقة في مجزرة أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة عام 2010. براجماتى البعض يرى الرئيس التركى شخصًا منافقًا، والآخر يراه براجماتيا، لكن في نهاية المطاف لابد من الاعتراف أنه «داهية» نجح في الهرب من فخاخ نصبت له داخليا وخارجيا، وانتقل من موقع الفريسة إلى موضع الصياد، فعلى الصعيد الداخلى هرب من حبل المشنقة أو الإعدام بالرصاص في انقلاب نفذه الجيش عليه، عقب نجاته أدرك ما يحاك له خارجيا وهدف أمريكا لإعلان الدولة الكردية خنجرا في ظهره وضم بلاده لمخطط الشرق الأوسط الكبير، شعوره بالخطر دفعه لنقل نفسه بحركة بهلوانية من الغرب إلى الشرق، ملتحفا بالروس متنازلا عن مطلب رحيل بشار لتبريد العلاقات الملتهبة مع إيران. فوز ترامب حبة الدواء المر التي ابتلعها أردوغان -رغما عنه في عهد الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، لتمرير المتبقى من فترة ولايته الثانية في البيت الأبيض دون صدام- دفعه لتأسيس منهج جديد للتعامل مع واشنطن في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، قائم على عدم وضع البيض في سلة واحدة، وإعادة وضعه في الشرق الأوسط والعودة إلى سياسة "صفر مشكلات" التي وضعها رئيس حكومته السابق وصديقه المقرب، أحمد داوود أوغلو. صفر المشكلات.. رغم ضلوعها في الملف السورى بالدخول في حلف ثلاثى مع روسياوإيران، يواجه عقبات في ملف القاهرة بسبب تراكمات الماضى والانحياز الفج لجماعة الإخوان ورئيسها المعزول محمد مرسي، وتعمد التجريح والتلويح بحق الرئيس عبدالفتاح السيسي، بين الحين والآخر، وتحويل مدينة "إسطنبول" إلى قاعدة لفلول الجماعة ومنصة لقصف حكومة القاهرة عبر الفضائيات. بروفيسور التصفير براجماتية أردوغان، في الطريق إلى مصالحة القاهرة، دفعتها لتسليم الملفات الملتهبة ل"بروفيسور التصفير" الجديد، نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء، الذي يعمل على حلحلة الأزمة المصرية المعقدة بفعل التصريحات، وبحسب مراقبين للنظام التركى، أوكلت هذه المهمة الصعبة إلى "كورتولموش"، لطبيعة الرجل الهادئة وقناعته بضرورة تسوية الخصومات وطى صفحة الإخوان التي باتت تمثل عبئًا على النظام الحاكم في ظل الظروف الراهنة وتصدع أنقرة سياسيًا واقتصاديًا. تصريحات حامل مهمة التسوية خلال الفترة الماضية تجاه مصر وسوريا، تحمل دلالات المستقبل والمصالحة المرتقبة مع القاهرة، وعول عليها الخبراء لتأكيد قرب جلوس الأطراف أمام طاولة التفاهمات. الانطلاق من الرياض مهمة نائب رئيس الوزراء التركى للوصول إلى القاهرة، بدأها من العاصمة السعودية "الرياض" في زيارة أجراها مؤخرا للمملكة، كان ملف التهدئة مع مصر محورها الأساسي، في اجتماعات منفصلة مع مسئولين هناك بحسب تأكيد مصدر رفيع ل"فيتو"، ووضعت ملامحها الأساسية في حفل عشاء خاص بعيدا عن وسائل الإعلام. خطة المصالحة الوشيكة كما رسمها المصدر، بدأت بمطالبة الجانب التركى بالامتناع عن التصريحات المناوئة للنظام المصري، والكف عن الأحاديث المدافعة عن مرسي والجماعة، والتركيز على ضرورة التعاون بين البلدين في ظل الظروف الراهنة التي تعانى منها المنطقة. الاقتصاد حجر الأساس "توقف المكلمة" الشرط الذي جاء على رأس بنود خارطة المصالحة، تلاه الاقتصاد كبند ثانى في المصالحة بين البلدين الأمر الذي ترجم بزيارة وفد رفيع المستوى لرجال الأعمال الأتراك إلى القاهرة لإعطاء إشارة البدء في تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بعد قطيعة الأعوام السابقة. وحملت تصريحات، رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية، هيسارجيكلى أوغلو، خلال منتدى الأعمال المصرى التركي، مؤشرا كبيرا على العودة البطيئة والتطبيع المرحلى الموضوع طبقا لخطة صلح واضحة. وأكد أوغلو خلال كلمة اختراق القطيعة، أن أنقرة تعتبر مصر شريكًا لها، وأن الصداقة الجافة بين أنقرةوالقاهرة لا تنفع، ولابد أن نسهم في تنمية الدولتين وتعزيز العلاقة الاقتصادية بينهما". التطبيع السياسي عقب تحريك عجلة التبادل الاقتصادى بين البلدين، لإذابة جبل الجليد، عاد المصدر للحديث عن شكل التطبيع السياسي المرتقب بين العاصمتين، مؤكدا انفراجة دبلوماسية قريبة بعودة التمثيل الدبلوماسى الكامل بين القاهرةوأنقرة، وبدء تبادل زيارات وفود سياسية رفيعة المستوى تشمل فيما بعد عددامن الوزراء والبرلمانيين، في متتالية ملحوظة ربما تنتهى بلقاء مشترك بين رئيسى الحكومتين التركية والمصرية. لقاء رئاسي وفيما يتعلق باحتمالية عقد لقاء مشترك يجمع بين الرئيسين التركى والمصري، كشف المصدر أن الاتفاق الجارى على عودة العلاقات بطريقة هادئة متصاعدة، استبعد في الوقت الحالى عقد لقاء بين زعيمى البلدين، لكنه لم يستبعد حدوثه أيضا على أرض محايدة مرجحا في هذا الشأن أن تشهد روسيا مثل هذا اللقاء بترتيب من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذي دخل على خطة الأزمة بين مصر وتركيا بقوة، ونصح الإدارة التركية بضرورة تجاوز عتبة خلافات الماضى للاستفادة من جهودهما مجتمعين في مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة الآن، تشمل مكافحة الإرهاب وضرورة التنسيق وتبادل المعلومات في هذا الملف، إضافة إلى خطورة ما يحاك ضد دول الشرق ولا يستثنى أي أحد بهدف دفعها إلى فوضى خلاقة تنتهى بانتزاع دويلات من الجميع. التعامل مع الإخوان تطرق المصدر أيضا إلى وضع قيادات الإخوان الهاربة إلى تركيا، والتي تمثل نقطة خلاف بين الطرفين، مشيرا في سياق حديثه، إلى نية تركيا تضييق الخناق على عناصر الجماعة الموجودين هناك خلال العام الجارى 2017، مرجحا غلق بعض القنوات الفضائية التي بدأت تعانى أزمات مالية مفرطة وتصدعت داخليا دون تدخل أطراف خارجية، وإجبار الموجودين على التزام الصمت والبقاء كضيوف بالدولة دون التطرق للشأن المصرى سلبا أو إيجابا، كاشفا في هذا الإطار عن رسائل تركية وصلت لقيادات الجماعة في مصر بضرورة التعايش مع الواقع وقبول المصالحة مع الحكومة المصرية دون قيد أو شرط، والكف عن التحريض وتنفيذ عمليات بالداخل بعدما تدخل النظام التركى لدى إدارة ترامب لإقناعها بالتمهل في إدراج الجماعة على لائحة الإرهاب والتعهد بضبط سلوك التنظيم خلال الشهور المقبلة. هدوء العاصفة رغم الغصة في حلق القاهرة، مما أبداه النظام التركى تجاه نظيره المصرى خلال الأعوام الماضية، فإن الواقع الحالى يفرض على الجميع مباركة جهود أي طرف ترمى لطى صفحة الخلافات لتحقيق الاستفادة الاقتصادية والسياسية بين البلدين في ظل واقع أصبح مفروضا على الجميع.. القاهرة من جهة تعانى أزمات اقتصادية وخطة الإصلاح التي ترمى لها تتطلب فتح شرايين الاقتصاد الدولى للانتعاش السريع والتعافى من الكبوة.. ومن جهة أخرى خسر الخليفة التركى رهانه على الإخوان وخيبت الجماعة أمله بعدما تصدى للدفاع عن مشروعها على أنها نموذج للإسلام السياسي المعتدل وفضلت العودة لأدبيات الإرهاب مع أول صدام مع الشعب والدولة واتضح مدى تخبطها السياسي، الأمر الذي يحتم عليه الاستفادة من مصر بالحجم والتأثير والتعاطى معها من هذا المنطلق بعيدا عن الأيديولوجيات.