عندما فسد التعليم عقمت مصر عن تخريج عباقرة على غرار أحمد زويل ومجدى يعقوب ما هي الأزمة الحقيقية التي يعانى منها التعليم في مصر؟ محور واحد وضعناه على طاولة الحوار مع الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، الذي قدم – بدوره – تشريحا كافيا بعض الشيء للأزمات التي يعانى منها التعليم في مصر، ليس هذا فحسب، بل شدد على أن عملية الانهيار التي تشهدها المنظومة حاليا لا تتعدى كونها نتيجة متوقعة بعد سنوات من الإهمال والتجاهل لوضع خطط حقيقية للتطوير. "فرويز" تحدث أيضا عن شكل العلاقات التي تحكم مثلث العملية التعليمية (المعلم – الأسرة – المدرسة)، وقدم تأريخا للعلاقة التي بينهم، كما وضع تصورا – من وجهة نظره- للحلول التي من الممكن اتباعها لإصلاح شكل العلاقة التي أفسدتها "الدروس الخصوصية"، وبقية الأمور التي قللت من قيمة المعلم والعملية التعليمية.. وحول تفاصيل هذا الأمر وأمور أخرى كان الحوار التالى: هل للمعلم دور في الخلل في العلاقة بين الأسرة والمؤسسة التعليمية؟ بالطبع له دور كبير، فاليوم أصبح الطلاب وأولياء الأمور لا يحترمون المُدرس، والواقع الآن يكشف أن هناك أمهات تدخل الفصل في المدرسة وتضرب المعلم فأين الاحترام إذًا، وهناك طلاب يتعدون لفظيا على المعلم، فأين الاحترام؟! فمنذ دخول المعلم لمنزل الطالب لإعطائه درسا خصوصيا، وقدم له الطالب "الشاى والكيك" وأجر الحصة، انتهت علاقة الاحترام بينهما، وأصبحت العلاقة تكافلية بين الإثنين، الطالب يحتاج لعلم المعلم، والمعلم يحتاج لأموال الطالب. كيف يمكن التعامل مع الطلاب بصورة نفسية سليمة خلال المراحل التعليمية المختلفة؟ التعامل يختلف حسب الدرجة والمرحلة التي يكون فيها الطالب، فالطالب في مرحلة " كى جى" والابتدائية، يحتاج إلى الحنان أكثر من الشدة، فكلما تعاملت الأسرة والمدرسة بحنان مع الطالب، أحب المادة وتعلق بها، أما مرحلة الإعدادى فتحتاج إلى الحزم مع الحنان، في حين تحتاج الثانوية إلى الشدة أكثر، لكن الأساسى هو الاهتمام بالمرحلة الابتدائية، فدائما هناك نظرة تقليلية للمدرس الابتدائى رغم أنه أهم شخص، فهو الذي يبنى. بم تفسر اهتمام الأسرة بالطالب حتى الانتهاء من المرحلة الثانوية فقط.. ثم إهماله في المرحلة الجامعية؟ معظم الأسر تعتبر أن التحاق الطالب بالجامعة يمثل مرحلة الأمان، وأنه بدأ أن يكون واعيا لطريقه، ووصل لمرحلة النضوج، ولكن الكثير من الطلاب يبدأ مرحلة الانحراف منذ دخوله الجامعة، وينتج هذا بسبب عدم المتابعة. يعتقد البعض أن هناك تشوهات نفسية تعانى منها الأسرة وتظهر خلال التعامل مع أبنائها الطلاب خلال الدراسة.. هل تتفق مع هذا الأمر؟ هذه حقيقة، وهذا لأن الدراسة أصبحت عبئا ماديا على الأسرة من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى العبء النفسي، فالأب الآن يتحمل مصروفات مدارس خاصة، ومصروفات دروس خصوصية، وأعباء وضغوطات أخرى، ويخرج هذا الضغط والكبت النفسى على الأبناء، في صورة العصبية، والعلاقة المتوترة، فالأب الآن لا يعرف أي شىء عن أبنائه، ويكون المبرر هو "أنا بحاول أجيبلكوا فلوس عشان أقدر أصرف عليكوا"، وتأخذ الأم دور الأب والأم معا، فهى تحتضن أبناءها، وتشد عليهم، فنصفها يكون امرأة والنصف الآخر يكون رجلا، حتى لا تدع لأحد فرصة أن يقول إنها فشلت، فأصبح الأبناء في صراع نفسي. من هو المسئول عن الاضطرابات النفسية التي تصيب بعض الطلاب في مراحلهم التعليمية المختلفة؟ جميع الاضطرابات تأتى نتيجة الانهيار الثقافى، فقد تعرضنا لحملة في إهمال الثقافة، فمنذ 1952 حتى الآن لم يلعب أحد على وتر الثقافة، وكل الأنظمة تحمى كراسيها بالأمن، ولم يفكر أحد في الشعب، وبالتالى لا يوجد أي إصلاح. لماذا تغيرت نظرة المجتمع تجاه المؤسسات التعليمية وأصبح هناك ارتياح نفسى للمدارس الخاصة والدولية وتخوفات من مدارس الحكومة؟ الناس مجبرة على هذا، لأنهم لا يرون نتيجة جيدة لتعليم أبنائهم في المدارس الحكومية، فالتعليم تعرض لحملة بدأت منذ عام 1977م، عندما وضع الأمريكيون أيديهم على التعليم في مصر، والذي سمح لهم بذلك الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وعندما بدءوا في تغيير المناهج بحجة التطوير، فسد التعليم في مصر، فالتعليم الآن يتغير كل عامين، ما يمنع وجود إنتاج، ولكن التعليم في الزمن القديم الكلاسيكى هو الذي أخرج أحمد زويل، وأحمد عكاشة، ومجدى يعقوب، وغيرهم، ولكن عندما تغير التعليم وأصبح عبارة عن كم وليس كيف خسرنا، ويدفع الآن الآباء والأمهات الآلاف من الأموال في المدارس الدولية والأجنبية لتأخذ التعليم الذي كنا نمتلكه في الماضى في الستينيات والسبعينيات، كما لا يخفى على أحد أن مسرحية مدرسة المشاغبين أفسدت أجيالا متعاقبة وشوهت صورة المعلم ورسخت لفكرة البلطجة ومهدت لأعمال فنية أخرى أهانت التعليم والمعلمين. ما المشكلات النفسية التي يمكن أن يخلقها الاعتماد على مراكز الدروس الخصوصية في التعليم بديلا عن المدارس؟ الدروس الخصوصية ألغت وجود المدرسة، وجعلت هناك ضغطا نفسيا واقتصاديا وماديا على الأسرة، وخلفت أيضا علاقة بين المدرس والتلميذ سلبية تفتقر إلى الاحترام، وفكرة التعود على الدروس الخصوصية أصبحت لا تعطى فرصة للمعلم الذي يعمل بجد أن يشرح في المدرسة ويعطى للطلاب علمه. بصراحة.. هل ستُجدى أي محاولات للإصلاح في التخلص من الوضع الحالى؟ نعم ستُجدى، لكن شرط أن تكون هناك حلول ثقافية فعلية، وإعادة دور الثقافة المهم مرة أخرى، وأن يكون هناك هيئة عليا تحدد نوعية الإعلام المقدم للشعب، وأن يمنح المعلم كادرا يستحقه فعلا، ونمنع الدروس الخصوصية، وأن تعود للمدرس مكانته وهيبته، وإعطائه المرتب الذي يتناسب مع جهوده داخل المؤسسة التعليمية، واذا التزمنا بهذا سنتغير خلال خمس سنوات. يجب أيضا اتباع حلول غير تقليدية، منها أنه يوجد حاليا تعليم مهم جدا مستهان به وهو التعليم الفنى، يجب الاهتمام به، فالآن نتيجة إهمال ذلك التعليم لا يحضر الطالب في مدرسته، ويدفع نحو 300 جنيه ليأخذ الشهادة وينجح، والنتيجة هي طالب متخرج في مدرسة تعليم فنى لا يعرف القراءة أو الكتابة، والحل أن نصنع تعليما فنيا موجها، يشمل تخصصات محددة للطالب، وأن يدرس جزءا واحدا فقط يتخصص فيه، وأن تكون المدرسة وحدة إنتاجية تعليمية، والأمر الثانى هو وضع معايير لدخول الطالب الجامعة، فيجب ألا يدخل الطالب الجامعة إلا إذا كان يريد الاستفادة بالفعل، ويجب تحديد الكم الذي يدخل في كل كلية بناءً على احتياجات سوق العمل.