قهاوي وسط البلد.. ليست مجرد مكان أو حجر.. لكنها كيان تنطق جنباته بتاريخ قاهرة المعز.. المقاهي لم تكن مجرد مكان يحتسي فيه الرجال مشروبهم المفضل، لكنها كانت شاهدا علي أحداث مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية . كان المقهي ومازال عنصرا من عناصر الحياة اليومية المميزة للقاهرة.. فمنه خرجت السير والملاحم إلي وجدان الشعب.. وعلى المقاهي ولد كتاب ألف ليلة وليلة وتحول من مجرد أدب شعبي مجهول النسب والجنسية جاءت جذوره من بلاد الهند وفارس إلي واقع يعيش في الوجدان الشرقي والمصري، وأضاف اليها الخيال الشرقي على مقاهي بغداد ودمشق والقاهرة الكثير من الفصول أثناء الحكم الفاطمي. أبهرت قصص ألف ليلة وليلة، والظاهر بيبرس، وسيف بن زي يزن، وحكايات علي الزيبق، رواد المقاهي بحكايات الخليفة الرشيد ووزيره الذي تنكر في زى درويش، كما فتن رواد المقاهي بعلاقات العشق الملتهبة.. أما المقاهي في مصر فقد أضافت إلى الحكايات القصص المنقوشة بالسحر والحسد. كان للمقهى دور اجتماعي كبير لا يمكن الاستهانة به، وقد أبرزه شيخ الروائيين العرب نجيب محفوظ في العديد من أعماله. وعلي مقهي (ريش) الذي يأتي علي رأس المقاهي الثقافية والذي يعود تاريخ إنشائه إلي عام 1908، حيث كان قاعدة لرواد ثورة 1919، كان زعماء الثورة يلتقون فيه، وقد تم اكتشاف ماكينة طبع المنشورات التي استخدمها الثوار بالمصادفة حينما كان يتم ترميم المقهى من شروخ زلزال 1992 فوجد دهليز صغير مؤد إلى مخزن قديم بالبدروم كانت تتم فيه اللقاءات، أما الآن فقد تحول هذا المخزن إلي تحفة أثرية عربية علي يد صاحب المقهى الذي حوله إلي جلسة عرب، فعلق علي الجدران جيتاراً وعوداً ويوجد بالبدروم بار قديم. ومن ريش إلي البستان، حيث الثقافة وأهلها ومناقشات ومساجلات.. شهد البستان أشهر الأدباء والمثقفين، لذا يري البعض أن من لم يجلس علي البستان لا يعرف الثقافة. وعلي مقهي بعرة الذي يعتبر إدارة إنتاج للفن والكومبارس خرج مشاهير الصف الثاني، ومنه كانت ترسل الأدوار إلي أصحابها. وفي ممرات القاهرة ترسو علي شاطئ الذكريات الكثير من المقاهي التي مازالت تحكي تاريخ القاهرة. قهاوي وسط البلد شهدت ثورات التحرير، وكثير من عمليات المقاومة ضد الاحتلال.. وخرجت من بين أركانها صرخات التغيير التي أسقطت الفرعون.. ومازال نهر الحياة يجري بين جنباتها ليشهد المزيد من الأحداث.