" ميلاد عارف أنت أخدت إيه "..هكذا ستجد صديقك الدائم الحضور لمقهي " الحرية " الكائن بباب اللوق يسارع موجهاً هذه المقولة لك قبل ان تدخل في " وصلة حساب " مع " ميلاد " أحد جرسونات المقهي وأمام تأكيدات الصديق " الخبرة " ونظرات " ميلاد " الواثقة لن تجد أمامك سوي الاستسلام للأمر الواقع ، ودفع الحساب صاغراً طائعا، ومن المؤكد أن تترك له " الفكة "..لأنك في " الحرية " صاحبة المائة عام خبرة وتراثا. جلستك الأولي في " الحرية " لا يمكن أن تقارن ولو بالقليل مع الجلسة الثانية والثالثة ، فمن المؤكد أن سهم " الحرية " أصاب العقل والقلب ، فعلي يسارك بعدما تضع ميدان" باب اللوق " وشارع الجيش خلفك ستكتشف فجأة أن الزمن عاد بك سنوات قليلة للوراء ، فالكبار يحتسون " الشاي بالنعناع " ويهزون رءوسهم وهم يجترون ذكريات زمن مضي ، ونادرا جدا ألا تجد مجموعة من الشباب جذبتهم " حلاوة الحكي " وتحلقوا حول أصحاب الأعوام الطويلة والخبرة الأكثر طولا ، لمجرد المتعة بحكايات زمن لا يشبه أيامهم الحالية ، وقبل أن تترك " يسار الحرية " ستجد مجموعة ثانية " علي رءوسهم الطير " عيونهم مسلطة علي رقعة خشبية " باهتة كالعادة " ، ينتظرون النقلة – غير المتوقعة – للفيل أو طيران للحصان يتبعها صاحبها بالمقولة الشهيرة " كش ملك " ، وهنا أنت في حضرة أشهر مقهي وناد للعب الشطرنج في منطقة وسط البلد ، الجميع هنا يتمتعون بالمهارة في اللعب، ونادرا جدا ما تجد من يختار " ركن شطرنج الحرية " وهو لا يعرف مقدار موهبة وخبرة من يجلسون بجواره في لعبة الملوك . إذا كنت من هواة تلك اللعبة من المؤكد حال جلوسك ووجهك لداخل المقهي ستفاجأ بعالم ثالث " خارج نطاق الدوشة والصمت " ، وهنا ستري " ميلاد " نشطاً اكثر من اللازم يحمل بين يديه " زجاجة "ستيلا أو هينيكل أومياها معدنية " وفي اليد الثانية ورقة " الكارتون " التي يعرف بها حسابات الزبون ، وعندما لا يجد من يطلب " مشروبا " يحمل بين يديه " طبق ترمس " يأكل منه حتي يطلبه منه أحد الحضور أو يختار وافدا جديدا ويمنحه إياه. الجلوس في الحرية لا يمكن مقارنته بأي مكان آخر, من المؤكد أنك ستجد الجميع يتفقون علي هذا الأمر من صاحب " الشاي بالنعناع " إلى صاحب " بيرة " الشركة التي تحتفل هذه الأيام بمرور 511عاما علي تأسيسها ، مجتمع مختلط ستجده في جنباته ، لأنه المكان المفضل لعدد كبير من المراسلين الأجانب في القاهرة ، الذين يحفظون تاريخ المقهي العتيق اكثر من " أولاد البلد " الذين يفاجأون بالقواعد الصارمة حال محاولتهم كسر نظام الجلوس في "الحرية " ، فليس غريبا أن تجد " ميلاد " يسأل أحد الشباب عن " بطاقته الشخصية " ليتأكد من اجتيازه السن القانونية التي تسمح له بشرب " المشروبات الكحولية " – البيرة فقط - ، وليس غريبا أيضا أن تجد مراسلا أجنبيا يتحاور ب" العربي المكسر " مع بائع " القرص " وسرعان ما ستكتشف الصداقة و الحميمية التي تربط بين الأجنبي وابن البلد في أحضان " الحرية " . «لقد قرأت لك رواية " كذا " وفي مكتبتي اقتنيت ديوانك الأخير ، والكاريكاتير الأخير لك أبهرني جدا ولكن لي ملحوظة» عبارة لن تمر دقائق دون أن تجدها تتطاير في المكان " الهاديء الصاخب في آن واحد "، فكبار الكُتاب ما زال يربطهم والمقهي العتيق " حبل سري " ، يبعدهم كثيرا عن الجلسات " المرفهة " ويعيدهم – وفقا لروايات غالبيتهم – لصاحب الحضن الأول والعمل الأول والزجاجة الأولي ، وليس غريبا أن تجد كاتبا في قيمة وقامة القدير " بهاء طاهر " جالسا بعد المغرب في ركن " الشاي بالنعناع " مع مجموعة من أصدقائه وتلاميذه ، وبعده بطاولة واحدة ستلحظ الأسمر الرائع الكاتب الروائي " مكاوي سعيد " صاحب " تغريدة البجعة " جالسا مع مجموعة من الأصدقاء وضحكاتهم تطغي علي المكان ، وستستمع من رواد " الحرية " القدامي حكايات عن جلسات " الجنوبي أمل دنقل " و " يحيي الطاهر عبد الله " و «عبد الرحيم منصور» في «الحرية» وستجد لكل واحد منهم حكاية وتفاصيل لا يمكن أن تُنسي.