كانت الوزارة قى ذلك العام برئاسة عدلي يكن، وكان سعد زغلول يرأس مجلس النواب، وكان الاثنان من أطراف المعركة وتأثر كل منهما بعلاقته بطه حسين.. فسعد زغلول والذي كان معجبًا في البداية بطه حسين الطالب المجتهد إلا أنه تغير عليه، منذ أن خطب طه حسين في حفل أقيم في الجامعة أقيم لإحياء ذكرى الشيخ محمد عبده وقال فيه إن مصر مدينة بإنشاء الجامعة لثلاثة عظماء هم الإمام محمد عبده الذي أحيا الحرية العقلية ومصطفى كامل الذي أحيا الحرية السياسية وقاسم أمين الذي أحيا الحرية الاجتماعية ولم يذكر اسم سعد زغلول الذي أسرها في نفسه. وجاء الخلاف بين وزارة عدلي وحزب الوفد حول تمثيل مصر في المفاوضات، حيث أصرت الحكومة على أنها الممثل الرسمى للدولة المصرية، بينما حاول حزب الوفد صاحب الأكثرية البرلمانية تمثيل البلاد بزعم أن الحكومة ائتلافية وأنه صاحب الأكثرية النيابية وكان طه حسين ممن أيدوا عدلي يكن وكتب مقالات يهاجم فيها الوفد وسياسة سعد زغلول بل خرج بنفسه على رأس مستقبلى وفد الحكومة العائد من المفاوضات في محطة مصر هاتفا مع الجموع عاش عدلي باشا. كان الأزهريون متربصين ولم تكن علاقة طه حسين بسعد زغلول على ما يرام، وفجر كتاب في الشعر الجاهلى كل المكتوم وبدأت المعركة بمجرد ظهور الكتاب على شكل مقالات صحفية على صفحات الجرائد والمجلات كانت أشرسها حملة مجلة المنار، والتي اتهمت طه حسين بمحاربة الإسلام والطعن فيه والسعى إلى نشر الزندقة والإباحية وكتب مصطفى صادق الرافعى راميًا طه حسين بالكفر والزندقة، وأن دروسه في الشعر الجاهلى تكذب الأديان وتسفه التاريخ. وصدرت كتب كثيرة ترد على طه حسين منها كتاب "نقد مطاعن في القرآن الكريم" للشيخ محمد عرفة، وكيل كلية الشريعة وقتئذ وكتاب "الشهاب الراصد" لمحمد لطفى جمعة و"نقد كتاب في الشعر الجاهلى" لمحمد فريد وجدى و"النقد التحليلى لكتاب في الشعر الجاهلى" لمحمد أحمد الشعراوى و"محاضرات في بيان الأخطاء العلمية والتاريخية التي اشتمل عليها كتاب في الشعر الجاهلى" للشيخ محمد الخضرى وكلف شيخ الأزهر لجنة من علماء الأزهر لكتابة تقرير حول الكتاب وخلصت اللجنة في تقريرها المطول (183 صفحة) إلى أن: 1-المؤلف اتبع مذهب ديكارت في التجرد حتى من الدين والقومية 2-أن الكتاب مملوء بروح الإلحاد والزندقة وينكر ما هو معروف من الدين بالضرورة كإنكار هجرة إسماعيل والتشكيك في وجود الأنبياء. 3-على الأزهر والحكومة وضع حد لهذا الإلحاد بمصادرة الكتاب وإبعاد طه حسين عن الجامعة ومحاكمته. وفي نفس الوقت الذي دخلت فيه المؤسسة الدينية حربا مباشرا كان أتباعها يشنون حربًا أخرى عن طريق إمطار الديوان الملكى ببرقيات تطلب من الملك التدخل لحماية الإسلام. وحتى ذلك الوقت ظلت الجامعة صامدة أمام الضغوط والدليل على ذلك ما خرج من اجتماع مجلس إدارتها يوم 16 مايو 1926، والذي قرر فيه تفويض مدير الجامعة أحمد لطفى السيد، والذي كان من مؤيدي حرية الفكر ومن أقطاب حزب الأحرار الدستوريين بحل المشكلة مع السلطات المختصة وصاغ المجلس عبارة تاريخية كشرط لإنهاء الأزمة "على أن يراعى في ذلك المبادئ الأساسية للتعليم الجامعى والرقى العلمى لهيئة موظفي التدريس بالجامعة". كانت هناك سلطة أخرى تلعب في الخفاء تحقيقًا لمصالحها وهى سلطة الاحتلال البريطانى فقد كان من المعروف أن هناك منافسة محتدمة بين الإنجليز والفرنسيين في كلية الآداب، وكان طه حسين بحكم تعليمه وعلاقته بالفرنسيين وكرهه للاحتلال معروفًا بمناصرة الفرنسيين في مجلس الكلية، وكانت هذه فرصة للإنجليز لإعطائه درسًا فضغطوا على القصر الملكى للتخلص من طه حسين بزعم تهديده للاستقرار بالتسبب في فتنة دينية. وللحديث بقية...