شتان ما بين قيم دولة نعيش فيها الآن وبين قيم لدولة مأمولة تجعلنا مدينة فاضلة يحلم المصريون كثيرا بها، الدولة الفاضلة لابد أن تكون سوية اقتصاديا ويجب أن تضع ضمن إستراتيجيات تنميتها الاقتصادية أمورًا كثيرة أولها المواطن والعدل والإنتاج، فالدولة الفاضلة أساسها الإنسان عاملا أو موظفا أو مسئولا، وفى هذا الصدد يحدد الدكتور يوسف إبراهيم، مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر، الشروط والمتطلبات الواجب توافرها في النواحى الاقتصادية لنكون دولة أو مدينة فاضلة أو على الأقل نضع قدما على الطريق. ما الشروط المطلوب توافرها في النواحى الاقتصادية لنكون دولة فاضلة؟ لنكون على أول الطريق للدولة الفاضلة يجب الاهتمام بالمواطن أولا وآخرا، ويجب أن يكون هناك مستوى معيشى مرتفع ومستوى خدمات يليق بالمواطن وأيضا عدالة اجتماعية، فضلا عن الأخلاقيات الراقية في التعامل الاقتصادى أيضا، والأهم من ذلك أن تكون دولة ذات اكتفاء ذاتى بنسبة تزيد عن 70% على الأقل حتى لا تكون لدينا أزمة اقتصادية تضعنا في مواجهة الفقر والاحتكار وارتفاع أسعار السلع. هل الدولة توفر حد الكفاية للمواطن في الوقت الحالي؟ بالطبع لا، لا توجد وفرة للدولة لحد الكفاية، حيث إن هناك نحو 50% من المصريين تحت خط الفقر ويعانون من أزمات حياتية ومعيشية، _ ترتيب مصر في مكافحة الفساد المركز 88 من أصل 168 دولة، لماذا؟ أنا أرى من وجهة نظرى أن مصر دولة راعية للفساد وليست مكافحة له، والأبحاث الأخيرة أثبتت أن الفساد بات يحرك آلة المجتمع المصرى وهذا مؤشر خطير للغاية، وفساد الدولة له أسباب فالمرتبات المتدنية والمعيشة غير الآدمية تدفع المواطن والموظف ليكون فاسدا بأى طريقة ومن أهم مظاهر وأشكال الفساد هي رشوة الموظف في كل المؤسسات، فبات معروفا للجميع أن المصالح الحكومية لا تسير سوى بالأموال في الوقت الحالى فمن الممكن أن تكون محتاجا لإنهاء بعض الأوراق في مصلحة ما وتأخذ من وقتك أياما لكن لو أخرجت مالا للموظفين لن تستغرق دقائق قليلة لينهوا ما تطلبه من أوراق وأختام، وهذا دليل قاطع على أننا نرعى الفساد ولا نكافحه. من وجهة نظرك هل المعاملات الإسلامية حل للأزمات الاقتصادية؟ الاقتصاد الإسلامى هو الحل الوحيد لكل الأزمات الاقتصادية التي تواجه الدولة المصرية وتجعل منها دولة غير فاضلة، وفى البداية يجب علينا الاعتراف أن كل الأزمات التي نواجهها لها علاقة أولا وآخرا بالأخلاق، والاقتصاد الإسلامى يقوم على الأخلاق الحميدة والاقتصاد الإسلامى هو عبادة لله أيضا لأنه عمل، فإذا كان الموظف في عمل ينوى به العبادة فلا يمكن له أن يكون راشيا أو مرتشيا لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الراشى والمرتشي"، فكيف لمؤمن يعبد الله بمعصيته. والمعروف للجميع أن الاقتصاد الإسلامى هو الأصول والمبادئ والشروط الاقتصادية التي تحكم نشاط الدولة الاقتصادى عن طريق ما ورد في نصوص القرآن والسنة مع مراعاة الزمان والمكان والتي من المعروف عنها أيضا أنها تصلح لأى وقت ومكان، ومن أهم سمات وقواعد الاقتصاد الإسلامى الذي يجعل من دولتنا دولة فاضلة هدفها المواطن وحاله فقط هي المشاركة في المخاطر وما يمكن أن يؤدى لخسارة في عمل اقتصادى وهى في الأصل أساس الاقتصاد الإسلامى وعماده وتميزه عن غيره من النظم الاقتصادية، فالمشاركة في الربح والخسارة قاعدة توزيع الثروة بين رأس المال والعمل وأساس تحقيق العدالة في التوزيع. ما أهم إستراتيجيات التنمية الاقتصادية في الإسلام؟ أهم تلك الإستراتيجيات هي حد الكفاية لكل إنسان في الدولة وتعنى توجيه كافة أنشطة الدولة الاقتصادية من مشروعات وخدمات وموازنة لصالح المواطن في المقام الأول ولتحقيق حد الكفاية، وهذا الحد لا يتم تحقيقه بأن يأخد المواطن أموالا في يده ولكن بمشروعات ومصادر تدر دخلا ثابتا له. فعلى عكس ما يحدث في تلك الأيام فيما يخص الزكاة وهى جمع الأموال وإرسالها للفقراء في منازلهم أو في أيديهم، فالأفضل أن تكون الزكاة عبارة عن أموال يتم استثمارها في مشروعات صناعية أو في إنشاء مصانع يتم توظيف أولاد الفقراء فيها ليكونوا منتجين ويكون لهم دخل ثابت عن طريق عملهم وإنتاجهم. وإذا طبق الإسلام في النواحى الاقتصادية حقا فلن تجد فقيرا أو محتاجا في بلادنا ولن تجد أيضا من يريد الزواج ولا يقدر على مصروفاته، وتطبيق حد كفاية المواطن يكون في المأكل والمشرب والملبس والمسكن وفى المواصلات أيضا ووصلت في بعض الدراسات أن حد الكفاية ينبغى أن يكون أيضا في السياحة والترفيه على أنفس المواطنين.