لا يذكر الزهد وحب الله والخشوع له إلا وتذكر رابعة العدوية التى ذاقت حلاوة القرب، وتنسمت عبير الشوق ، وآمنت أن حب الله هو أسمى أماني العباد، فأقبلت بكل حواسها على حب الله ومناجاته وتركت حياة الناس وأشغالهم وتعلقت بسلاسل النور تنعم بالسعادة والسرور. ولدت رابعة فى مدينة البصرة حوالى العام 95 ه ، وكان أبوها إسماعيل العدوى رجل فقير يعيش في احد الأكواخ وكان ينتمى لبنى عدوة من بطون قبيلة قيس ، وعندما حضر إلى البصرة أصبح من موالى آل عتيك الذين كانوا يحكمون البصرة آنذاك ، أما أمها فتدعى أم الخير وهى أيضا من بنى عدوة ، نشأت رابعة في هذه الأسرة الفقيرة ولكنها حفظت القرآن وتشبعت بمعانيه وتلقت الخشوع والورع من أبيها ، ولكن يشاء الله أن يموت الأب وتتفرق الأسرة بحثا عن الرزق، وتقع رابعة فى شباك أحد تجار الرقيق فيبيعها كجارية لأحد أثرياء البصرة ، وفي قصره يجبرها أن تغنى لأصدقائه وضيوفه، فتفتردد فهذا الصوت الرخيم الذى نشأ على تجويد القرآن لا يقبل الغناء بهذه الصورة المبتذلة ، ولكنها ترضخ بعد تهديدات سيدها، وشيئا فشيئا تعتاد رابعة هذه الحياة وترتع فى اللهو ومتع الحياة وتنسى كتاب ربها ، ولكن شيئا ما فى داخلها كان يشدها دائما إلى الله، وينتقد ما هى عليه من عبث ولهو، حتى حانت لحظة العودة ، وفاضت دموع التوبة، عندما قابلت شيخها رباح القيسى الذى دلها على الطريق ، وفتح لها آفاق العشق الإلهي ، واخذ بيدها فى بحار الشوق ، حتى تلألأت لها الأنوار، ورأى سيدها قنديلا معلقا فوق رأسها فأدرك ما وصلت إليه وأعتقها لوجه الله الذي ثابت إليه ... سئلت رابعة العدوية عن سبب تسميتها برابعة فقالت : كأسي وخمرى والنديم ثلاثة وأنا المشوقة فى المحبة: رابعة كأس المسرة والنعيم يديرها ساقى المدام على المدى متتابعة فإذا نظرت فلا أرى إلا له وإذا حضرت فلا أرى إلا معه يا عاذلى إنى أحب جماله تالله ما اذنى لعذلك سامعة لا عبرتى ترقا ولا وصلى له يبقى ولا عينى القريحة هاجعة وتعرض عن الجالسين معها و تنشد: إنى جعلتك فى الفؤاد محدثى وأبحت جسمى من أراد جلوسي فالجسم منى للجليس مؤانس وحبيب قلبى فى الفؤاد أنيسى وفى مقام الحب تنشد رابعة: أحبك حبين: حب الهوى وحب لأنك أهل لذاكا فأما الذى هو حب الهوى فشغلى بذكرك عمن سواكا وأما الذى أنت أهل له فكشفك الحجب حتى أراكا فما الحمد فى ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا وتكمل مناجاتها: يا حبيب القلب مالى سواكا فارحم اليوم مذنبا قد اتاكا يا رجائى وراحتى وسرورى قد أبى القلب أن يجيب سواكا وفى مقام التوسل تنشد: يا سرورى ومنيتى وعمادى وأنيسى وعدتى ومرادى أنت روح الفؤاد أنت رجائى أنت لى مؤنس وشوق كزادى أنت لولاك ياحياتى وأنسى ما تشتت فى فسيح البلاد كم بدت منة وكم لك عندى من عطاء ونعمة و أيادى حبك الآن بغيتى ونعيمى وجلاء لعين قلبى الصادى ليس لى عندك ما حييت براح أنت منى ممكنن فى السواد إن تكن راضيا على فإنى يا منى القلب قد بدا إسعادى وعندما تحين ساعة اللقاء تقول: أموت وما ماتت إليك صبابتى ولا رويت من صدق حبك أوتارى مناى المنى كل المنى أنت لى منى وأنت الغنى كل الغنى عند اقصارى وأنت مدى سؤلى وغاية رغبتى وموضع شكواى ومكنون إضمارى