القصر الجمهورى الموجود بالقناطر الخيرية وبالتحديد بالبر الغربى بمنشأة القناطر، محافظة القليوبية، خاو على عروشه من حاكم أو محكوم ومن أي حركة سوى بعض رجال الشرطة والحرس الجمهورى الموجودين أمامه، والقصر يحيطه سور عال ومجاور له، من الداخل شجر الكافور المزروع على امتداد السور، والطريق المجاور له، لاتجد فيه حركة ملحوظة للسيارات أو حتى الأفراد الذين يسيرون على أقدامهم، لما يمثله ذلك من رهبة كبيرة عند معظم أهالى وحتى الوافدين للتنزة السياحى حيث يتم التنبيه عليهم من أهالى القناطر بعدم الاقتراب من المكان حيث مكتوب على سوره «ممنوع الاقتراب والتصوير». يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار»، أنه فى الأيام الأولى لمدة الرئاسة الجديدة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت عدة اجتماعات خصصت لبحث السياسة العامة فى المرحلة المقبلة. كان هناك نوعان من الاجتماعات : اجتماعات رسمية مقيدة بجداول أعمال، واجتماعات حرة طليقة يكون جدول أعمالها مجرد عناوين عامة، كانت اجتماعات النوع الأول هى اجتماعات المؤسسات الشعبية أو الرسمية كاللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى، أو مجلس الوزراء، وكانت الاجتماعات الحرة الطليقة هى لقاءات مفتوحة يدعو إليها «جمال عبدالناصر» عددا من زملائه وأصدقائه، وكانت تعقد فى الغالب فى استراحة القناطر إذا كان الموسم شتاء، أو استراحة برج العرب إذا كان الموسم صيفا، وقد أطلق «جمال عبدالناصر» على هذه الاجتماعات وصف «المعسكرات السياسية»، لعقدها فى جو خال من القيود والرسميات، وعادة ما كانت تستمر لمدة يومين أو ثلاثة فى جو أشبه ما يكون فعلا بجو المعسكرات.. الاستراحة شهدت قمة الاجتماعات فى عام 3791مع قيام حرب أكتوبر حيث اجتمع فيها السادات مع جميع قيادات الجيش وعلى رأسهم الفريق سعد الدين الشاذلى وناقشا معاً مدى قدرة الجيش المصرى على مواجهة القوات الإسرائيلية والاستعدادات الخاصة بالحرب وكيفية التحرك ووضع خطة تمكين القوات الجوية المصرية من تحطيم القوات الإسرائيلية. وأعوام قليلة وشهدت نفس الاستراحة لقا تم بين المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين عمر التلمسانى وبين الرئيس السادات يقول عنها التلمسانى فى مذكراته :«لا يفوتنى أن أذكر - إنصافاً للسادات - يوم أن قابلته باستراحة القناطر الخيرية أننى وجدت أمامه مجموعة من أعداد مجلة الدعوة، وأخبرنى أن الإسرائيليين يشكون ويحتجون على هذه الحملات الإخوانية، فأجبته بأن معارضتى لمعاهدة السلام والتطبيع وموقف إسرائيل مبعثه دينى محض، ولا علاقة بما يسمونه سياسة دولية أو غير دولية». أما زوجة الرئيس الراحل السادات «جيهان السادات» فقد قالت إن «استراحة القناطر كانت من الأماكن المحببة إلى الرئيس الراحل السادات، حيث كان يعمد النزول إلى المحافظات لكى يستمع إلى مطالب الناس، فقد كان يقابل المحافظ ومدير الأمن، ويتفقد احوال الناس». الدكتور على السمان حكى فى أحد أحاديثه عن تلك اللقطات الرائعة التى جمعته بالرئيس الراحل السادات فى استراحة القناطر الخيرية حول الشجرة الكبيرة والقديمة والتى قيل إن جمال عبدالناصر جلس تحتها يفكر فى القرار التاريخى بتأميم قناة السويس 6591، ونفس الشجرة كانت هى مصدر إلهام للرئيس السادات قبل قرار حرب أكتوبر. موفق الكيلانى أحد أبناء القناطر والذى يحفظ قصص القصر عن ظهر قلب بعد أن ورثها عن أبيه، يحكى قصة هذا القصر قائلاً إنه يرجع تاريخ إنشائه إلى عهد محمد على عندما قرر أن يبنى لنفسه قصراً بعيداً عن الناس فى قلب الحدائق كى تهدأ فيه نفسه، والقصر مبنى فى موقع متميز جدا وسط 007 فدان من الحدائق والمتنزهات كما يميز موقعه أكثر أنه يطل على سبعة أفرع رئيسية من النيل أهمها فرع دمياط وفرع رشيد والرياحات التوفيقى والمنوفى والبحيرى وأفرع أخرى، وبنى القصر على الطراز الأوروبى فى ذلك الوقت مع مجموعة كبيرة من الاستراحات لمهندسى الرى الذين كانوا يشرفون على إدارة وصيانة القناطر الخيرية، استغلت فيما بعد هذه الاستراحات لوزراء الرى المتعاقبين وفى حين كان نصيب وزراء الرى بعض الاستراحات الموجودة بجانب القصر فقد حصل رئيس الجمهورية على القصر المجاور للاستراحات وبدأ السادات الذى عشق القناطر الخيرية لكونه كان دائم التردد عليها أثناء فترة شبابه التى عاش معظمها مع الفلاحين ولأنها الرابط ما بين محافظة القاهرة ومحافظة المنوفية، فأستغل السادات القصر الجمهورى الموجود بالقناطر للاستجمام كما استخدمه محمد على من قبل ولكن يحسب للسادات كما قال موفق الكيلانى أنه كان ينزل بسيارته دون حراسة مرتدياً الجلباب البلدى ويحمل عصاه الشهيرة، برغم وجود مهبط جوى داخل القصر حتى لا يعيق حركة أهل القناطر الخيرية، وكان السادات دائم التجول على قدميه ودائم الاختلاط بأهلها الذين شكلوا داخله عشق أولاد البلد وكان له من الوقائع الشهيرة فى مدينة القناطر ومنها إنه كان يمر من على كوبرى منشأة القناطر منفرداً فى ليلة شتوية قارصة ولم يعرف الشرطى البسيط أن ضيفه هو السادات وهو يجلس معه متخفياً فى جلباب بلدى قديم وعمامة، وسأله عن أحوال الشرطة فعرف من خلال العسكرى البسيط أن مرتبات الشرطة لا تكفى لحياة كريمة تجعلهم يمدون أيديهم لأخذ الرشاوى من السائقين، بعدها قرر السادات أن يزيد مرتبات جهاز الشرطة وخصوصاً رجال المرور، ويقول الكيلانى إن القصر الجمهورى بالقناطر فى عهد السادات كان مقراً لمعظم الاجتماعات المهمة لبعض الوفود الأجنبية وبعض رؤساء دول العالم الكبرى مثل كارتر وبيجن والملك حسين فأعتبر السادات القناطر والقصر الجمهورى بها أحب الأماكن لدرجة أنها تحولت إلى مدينة الحكم فى عهد السادات كما أصبحت شرم الشيخ مدينة الحكم فى عهد المخلوع مع الفارق باحساس المصريين بالانتماء للبلدين من جانب الرجلين. القصر فى عهد مبارك تحول إلى مكان محرم دولياً الاقتراب منه برغم أن الرئيس المخلوع لم يزره مرة واحدة فى حياته وتحولت الاستراحات الموجودة به والمجاورة له لمنتزه لأولاد الوزراء فى أيام كانت عصيبة على أهل القناطر بسبب اغلاق مداخلها الغربية والتشديد عليها وسوء المعاملة من الشرطة مما جعل وزير الري الأسبق محمود أبو زيد يصدر قراراً بغلق كل الحدائق بأسوار فأصبحت بذلك سجوناً صغيرة بعد أن كانت قبلة لكل المصريين للتنزه لذا قرر الناس هجر القناطر الخيرية بحدائقها ومتنزهاتها بسبب القصر.