"1" "الحضارة لا تُبنى بخصام الكون وتجاهل قوانينه، ويستحيل أن تقود حضارة إسلامية، تخاصم الكون، وتجهل مفاتيحه، أو تخاصم الإنسان وتجافى فطرته، والتربية الإسلامية الصحيحة تقوم على فقه واسع في الحياة والإحياء في الأرض والسماء، في كل ما يؤثر فينا ونؤثر فيه".. نصا من أقوال الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله. أرادت جماعة الإخوان لنفسها، من البداية، أن تكون في قطيعة مع الكون وقوانينه، وأن تبقى في خصومة مع فطرة الله، التي فطر الناس عليها، استهواها أن تعيث في الأرض فسادا وقتلا وتدميرا، وتتوهم أنها من المصلحين، لينطبق عليها قول الله تعالى: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون". يريد الإخوان أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، يتذاكون على من حولهم، يتفننون في الكذب والمكر والخداع، كأن قول الله تعالى: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا،ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، ولهم عذاب أليم" قد نزل فيهم وحدهم، يتظاهرون بالتقى والزهد، ولكنهم مثلما حكى أمير الشعراء أحمد شوقى في إحدى روائعه: برز الثعلبُ يومًا في شعار الواعِظينا فمشى في الأرضِ يهذى ويسبُّ الماكرينا ويقولُ: الحمدُ للهِ إلهِ العالمينا يا عِباد الله، تُوبُوا فهوَ كهفُ التائبينا وازهَدُوا في الطَّير، إنّ العيشَ عيشُ الزاهدينا إلى أن قال: مخطيٌّ من ظنّ يومًا أَنّ للثعلبِ دِينا ولو كان "شوقى" حيا لأنشد: مخطيٌّ من ظنّ يومًا أَنّ ل"الإخوان" دِينا "2" عندما لمس الشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله، خبث مخطط جماعة الإخوان في بداياتها الأولى، وسعيها إلى الإطاحة بالسلطة، وانتزاع الحكم، دار هذا الحوار بينه وبين مؤسس الجماعة حسن البنا.. -الشعراوى: يا مولانا.. إلى أين نحن نتجه الآن ؟ -البنا: لابد من تطبيق منهج الدعوة الإسلامية الصحيحة من أعلى المستويات إلى أدناها ! - الشعراوي: المنطق يقتضى أن نبدأ بتطبيق المنهج الشرعى على أنفسنا أولًا، ثم بمن نعول، ثم الأقرب والأقرب ومن بعدهم، أما أن نطلب من الحكام الكمال ثم ننسى أنفسنا وأهلينا ليكونوا في آخر سلم الأولويات، فهذا يخالف الطبائع البشرية، وباستقراء التاريخ: فإن السير على الأسلوب الذي تراه يا "شيخ حسن" خطأ فادح. -البنا: من يقف في وجه خط الدعوة، فإننا سنزيحه بالقوة مهما كان الثمن! -الشعراوى: ولكن العنف سيولد عنفًا والدم سيأتى بالدم.. وكان هذا الموقف هو الأخير للشيخ الشعراوى مع جماعة الإخوان، بعدما أدرك أن العنف هو منهجها ودينها وعقيدتها، ولن تتخلى عنه يوما، وأن الدين- بالنسبة لها، ليس سوى مطية للوصول إلى الحكم. "3" "إن قتل السادات كان حراما شرعا"، "تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام.. الحدود.. إعلان الحرب.. الجزية".. " تكفير الحكام أعظم ضررًا وخطورة من تكفير عوام المسلمين".. " كفر النظام الحاكم، مصطلح غامض وفضفاض ولا أصل له في كتب السلف المعروفة.. "الأنظمة والمؤسسات الحاكمة هي أشخاص اعتبارية لا يلحق بها كفر ولا إيمان".. " من التبسيط المخل اعتقاد الحركات الإسلامية أن الوصول لسدة الحكم يعنى حل جميع المشكلات".. "العلاقات الدولية هي ضرورة من ضرورات الحياة في حق الدول المعاصرة".."عزلة الدولة وانكفاؤها على ذاتها هو في الحقيقة ضرب من الانتحار».. "على دعاة الإسلام أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وألا يزايدوا على غيرهم ".. هذه أمثلة للمراجعات الفكرية التي بدأ أعضاء الجماعة الإسلامية في مصر، في تسعينيات القرن الماضى، في اعتناقها ونشرها في كتبهم، التي أثارت جدلا في مصر في السنوات الأخيرة، وهى أفكار مناقضة تماما لما كانوا ينادون به في فترات سابقة، عندما خاضوا مايمكن تسميته "الحرب على الدولة "، وأذاقوا مصر الأمرّين من الإرهاب الأسود، وبهذه المراجعات انطوت صفحة بغيضة من صفحات "الإسلام السياسي"، ومن الإنصاف أن نؤكد أن معظم قيادات الجماعة كانوا جادين في مراجعاتهم، بل خرج من كهفها أناس معتدلون ذوو عقل راجح مثل الدكتور ناجح إبراهيم وغيرهم. "4" الأسبوع الماضى.. ظن أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية الشيخ "كرم زهدى"، بجماعة الإخوان خيرا، ودعاها إلى أن تحذو حذو جماعته، وتقوم بمراجعات فكرية لنبذ العنف، والعودة إلى الاصطفاف الوطنى، وهى الدعوة التي قوبلت ب"استهجان إخوانى متوقع"، فضلا عن أن المنشقين عن الجماعة، والعارفين بشئونها، أجمعوا على أن الإخوان جُبلوا على العنف والتصادم مع الأنظمة الحاكمة والمجتمع، ولن يتخلوا عن منهجهم ولا عن فكر "حسن البنا"، كبيرهم الذي علمهم الغلو والتطرف، والذي كان يرفض أي نقد أو انتقاد لفكره الآثم، كما نوه فريق منهم إلى أنه من الغباء أن يصدق أحد الإخوان، مؤكدا أنهم لو تظاهروا مثلا بقبول مبادرة المراجعات الفكرية، سواء طرحها «زهدى»،أو التي يتحدث عنها الدكتور سعد الدين إبراهيم فإنها لن تكون أكثر من "حيلة ماكرة"، و"محاولة تكتيكية" منهم، بهدف أن يعودوا مرة أخرى إلى وطن لفظهم، ولن يرحب بهم مجددا، فالحق ما قاله "شوقى": "مخطئّ من ظن يوما أن للثعلب دينا".