مما هو مشهور عنّا نحن المصريين في وصف حالنا أن أمورنا «ماشية بالبركة»، يعنى لا إعداد ولا تخطيط ولا إدارة ولا تحديد للوسائل والأدوات، ولا متابعة لأى أمر نريد القيام به، مع أن البركة شيء مختلف.. و«البركة» - لغة - هي أن الله تعالى يجعل في الشيء القليل، الخير الكثير.. وهذا يقتضى عدم التراخى أو الكسل، بل يتطلب همة وإرادة وعزما وتصميما وإصرارا ومثابرة وعملا دؤوبا، وسعيا حثيثا.. جاء في الحديث: «إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فاستطاع أن يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر»، أو كما قال.. البركة تستلزم ما يطلق عليه في الشرع قوة التوكل.. أما ما نحن فيه فهو تواكل.. يقول النبى (صلى الله عليه وسلم): «لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا».. للأسف، نحن لا نأخذ بالأسباب، أي لا نعد لأى أمر عدته، بل نترك الشىء دون أن نبذل في الإعداد له بما يلزمه.. هل أكون مبالغا إذا قلت إن معظمنا سرعان ما يصاب بفتور، وإحباط لمجرد الفشل في حلقة من الحلقات، أو مرحلة من المراحل؟! ننسى أن معظم العباقرة والمكتشفين العظام الذين أدوا للبشرية خدمات جليلة، مروا في مراحل من حياتهم بفترات من الفشل وعدم التوفيق، لكن كان لديهم الصبر والإصرار على الاستمرار في محاولاتهم، لذا كان النجاح في النهاية حليفهم.. وفى الوقت الذي نحن مقبلون فيه على أزمة مياه سوف يكون لها أثرها وخطرها على حياة المصريين، بسبب بناء سد النهضة الإثيوبى، لا يوجد لدينا أي خطط أو برامج تستهدف الحفاظ على قطرة الماء التي في أيدينا، على اعتبار أنها قطرة الحياة.. لكنا - على العكس - نهدر كميات هائلة من الماء، فضلا عن عمليات التلويث المستمرة لنهر النيل..لا نشعر بأن ثمة مشكلة سوف تواجهنا في المستقبل.. نتعامل مع قطرة الماء دون حساب، حتى الأمطار التي تهطل علينا في فصل الشتاء لا يتم الاستفادة بها على أي نحو.. أيضا، في الوقت الذي نعانى فيه من أزمة اقتصادية حادة، نتيجة هروب الاستثمارات وتوقف النشاط السياحى بسبب موجة العنف والإرهاب العاتية، إلا أننا لا نشعر بقيمة الوقت والعمل في حياتنا.. إن الشعوب الحرة تواصل العمل بالليل والنهار، حتى توفر لقمة عيشها بدلا من اعتمادها على غيرها.. ولا يخفى علينا أننا نستورد من الخارج أكثر من 85٪ من احتياجاتنا، وهو ما أدى إلى الانخفاض المستمر لقيمة عملتنا.. هل هذا معقول؟ لماذا لا تتبنى برامج الإعلام هذه القضايا؟ لماذا لا يسعى منتجو المسلسلات التليفزيونية لبث قصص تعالج هذه الموضوعات؟ أيضا لماذا لا تتضمن برامجنا التعليمية والثقافية مناقشات جادة وهادفة حول هذه القضايا؟ ولماذا لا يكون هناك دور لمؤسسات المجتمع المدنى؛ أحزاب، ونقابات، وجمعيات؟