صدر حديثًا ضمن سلسلة فنون بمكتبة الأسرة التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب "مصر أم الدنيا - قصة القاهرة فى 1300 عام". الكتاب من تأليف الدكتورة نللى حنا، وتصوير راندا شعت، ويقع الكتاب فى 86 صفحة من الحجم الكبير. ونجحت الكاتبة فى إحداث مزج رائع بين النص والفوتغرافيا، من خلال التجوّل بالقارئ بين عبق التاريخ وسحر الجغرافيا، بين دقة التخطيط وروعة التشييد، بأسلوب شيّق وسلس، لدرجة تجعلك تشعر وكأنك فى رحلة سياحية ممتعة لشوارع القاهرة. حيث استطاعت من خلال الخرائط والرسوم والأشكال التوضيحية المدرجة بالكتاب، أن ترسم صورة واضحة المعالم قدر المستطاع للعواصم القديمة التى سبقت قاهرة اليوم، بداية من الفسطاط، مرورًا بالعسكر والقطائع، وصولًا إلى قاهرة المعز، ليجد القارئ نفسه يتجوّل فى الشوارع والحارات القديمة والمبانى الأثرية التى يرجع تاريخها إلى ما يقرب من 1300 عام، ليكمل السير منها إلى الأحياء التى شُيّدت حديثًا. وتمكّن الخرائط والرسوم القارئ من مشاهدة التسلسل الزمن والتاريخى للحقب التى تعاقبت على قاهرة المعز، وكذلك تطرّقت الكاتبة إلى عرض مبسط للوظائف التى كانت سائدة فى القاهرة، حيث الوظائف "الدينية والثقافية والإدارية والعسكرية والمراسم والشعائر". ثم انتقلت إلى شرح العوامل التى لعبت دورًا مهمًّا فى تطور الوظائف بالقاهرة، بداية من الجيش والإدارة، ثم دور التجارة الدولية والإنتاج، فى هذا التطور. وواصلت الكاتبة شرح كيفية تخطيط المدن من الفسطاط وحتى القاهرة المعزية، ثم تتبّعت حركة امتداد وتوسع المدينة، مع التركيز على عصرَى السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذى وصلت القاهرة إلى أقصى درجات الاتساع فى عصره، ثم الأسباب التى أدّت إلى توقف هذا التوسع بعد وفاته، وصولًا إلى عصر السلطان قايتباى، وما بعده. واختتمت الكاتبة كتابها بوصف القاهرة فى العصر العثمانى، وصولًا إلى نمط العصر الحديث، والآثار التى ترتّبت على ذلك، حيث انتقلت إلى وسط المدينة الحديثة أو ما يطلق عليه القاهرة الخديوية نسبة إلى الخديو إسماعيل، أهم الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ولم يتبقَ فى المدينة القديمة سوى بعض الصناعات التقليدية، كصناعة النحاس والصباغة وصناعات خان الخليلى. وتشير الكاتبة فى نهاية كتابها إلى أن هجران الطبقة الحاكمة القاهرة القديمة إلى الأحياء حديثة الإنشاء، مثل "جاردن سيتى، والزمالك، ومصر الجديدة" عاد بالسلب على تلك المدينة العريقة ومبانيها، حيث لم يعد يقطنها سوى الحرفيين ومحدودى الدخل وتوارت خلف كتل خرسانية وأسمنتية غربية الطراز. يُذكر أن مؤلفة الكتاب الدكتورة نللى حنا، تعمل بوظيفة أستاذ الدراسات العربية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، ومتخصصة فى تاريخ الولايات العربية فى العصر العثمانى، وتقلّدت عديدًا من المناصب، منها: رئيس قسم الحضارات العربية والإسلامية بالجامعة الأمريكية 2009م، وأستاذ بجامعة هارفارد قسم دراسات الشرق الأوسط 2001م، ولها عديد من المؤلفات باللغتَين الإنجليزية والفرنسية، ترجم منها إلى العربية: "بيوت القاهرة فى القرنين 17 و18"، و"القاهرة فى العصر العثمانى"، و"ثقافة الطبقة الوسطى فى مصر العثمانية".