t سعداوى المفش شيخ البلد مخاطبًا مشهور الجناينى خولى أنفار العمدة في عموم زمام الكفر بحدة وغضب شديدين: بقول لك إيه انت تلم نفسك وتسيبك من الجنان الرسمى اللى جالك على كبر ده، شوف مصلحتك وراعى أمورك، وخلى بالك انت مش بعيد عن اللّطْ، وإوعاك تكون فاكر إن منصبك اللى أنعم عليك بيه حضرة جناب العمدة هايحميك ويخليك تعيش بعيد في الأمان، والموريستان الأصلى ده بيلعب في دماغك... مشهور الجناينى مستنكرًا: يعنى إيه الكلام الخايب إللى انت بتقوله لى اد يا شيخ البلد ؟! هو إحنا مش حضرة جناب العمدة محملنا الأمانة ورابطها في رقابينا كلنا، دا غير إننا كلنا هانتسئل عنها يوم الموقف العظيم ؟!! سعداوى المفش ساخرا: يوم الموقف العظيم ؟!! مش بقول لك انت اتدروشت واللى كان.. كان، وشكلك خيّبت على كبر فعلا !! عموما دا شيء أنت حر فيه، بس بشرط إن ما يجيش على دماغ حد مننا، روح الجامع زى ما انت عايز، وصلى طول الليل والنهار، وربنا يتقبل يا خويا... لكن لما تيجى الدوار وتقعد في الملحق بتاعك اللى مخصصه لك حضرة جناب العمدة عشان تدير منه أمور الكفر وفدادينه وزرعه وقلعه، تبقى تقلع كل حاجة برة وتعمل زى مَ بنعمل، وتدع ما لله... لله، وما لقيصر... لقيصر، واخد لى بالك انت ؟!! وبعدين مش تحمد ربنا إننا لسه مخلينك قاعد تاكل عيش معانا بعد هلفطتك الأخرانية اللى دايرة أخبارها في الكفر، وعاملة بلبلة جامدة فيه... كارتّة بحمارين آخر وجاهة بتجيبك وتوديك، وكارتتين ثلاثة قدام دارك بتخدم مراتك وعيالك اللى بيتعلموا في أحسن مدارس، وبياكلوا أحسن أكل، وبيلبسوا أغلى هدوم، يبقى نحط في عينينا حصوة ملح وإللى ما يشوفش م الغربال يبقى أعمى مش كده ولا إيه ؟!! مشهور الجناينى متعجبًا: يعنى انت قصدك إيه يا شيخ البلد ؟!! قصدك أشوف الغلط وأفضل مطرمخ عليه ؟!!! سعداوى المفش ناظرًا إليه من فوق لتحت بنصف عين مغلقة: إهى ى ى ى !!! يعنى هي أول مرة، ولا أول مرة... يا جناينى ؟!! ما طول عمرك بتسرق معانا، وكان ربنا رازقك وكارمنا آخر كرم، وطول عمرنا عارفين كويس إنك راجل بركة وبتاع ربنا، ودايما كنا بنقدمك في الصلاة عشان تؤمنا، والحمد لله كنا بنصلى الفرض وننقب الأرض، ونسرب البهايم ولا من شاف ولا من درى ونبيعهم تانى يوم في السوق على عينك يا تاجر، لحد مَ حضرة جناب العمدة ربنا يستره ما انتبه لمواهبنا الجامدة دى وعرف إننا ناس مستقيمة وبنشوف شغلنا بما يرضى الله، فقام مشكورا بتوظيفنا معاه وادانا المناصب بتاعتنا المعتبرة دى عشان نخدم الناس وأهل البلد الطيبين، صحيح إن طبيعة عملنا ما اتغيرتش قوى عن الأول، وصحيح برضه إن جنابه بياخد ثلاثة أرباع اللى بنقلّبه ويحطوا في كرشه لوحده، بس برضك الاحترام ليه ثمنه يا مشهور يا خويا... أووومال إيه ما فيش كلام... مشهور الجناينى وقد أفلتت منه ضحكة مقتضبة رغما عنه: احترام !!!! هو إحنا كده يبقى عندنا احترام.. أو نبقى محترمين من أساسه برضه يا شيخ البلد ؟!! قدام الناس بوش... ووراهم بوش تانى ؟!! يا راجل دا أنا حجيت بيت ربنا السنة اللى فاتت ونويتها توبة نصوحة... وربنا يقوينى ويثبتني... ويهديكم إلى طريقه المستقيم زى ما هدانى كده بالضبط، أنا إن شاء الله من بكرة الصبح هاتقدم بشكوى رسمية لشيخ الغفر أبو سريع، والقاضى حلاوة العنتبلى شيخ قضاة الكفر أقول لهم فيها على كل حاجة غلط بتحصل في الكفر عشان أخلص ذمتى من ربنا وأخدم أهالي الكفر بجد مش زى ما بتخدموهم الخدمات اللى انت عارفها... سعداوى المفش قالبا شفتيه ورافعا ذراعيه وكتفيه: عموما انت حر يا جنايني... بس خلى بالك إنت بكده يبقى بتفتح على نفسك أبواب جهنم، وبتلعب في عش الدبابير وما تزعلش من اللى هايحصل لك ساعتها، أنا نصحتك كتير وقلت لك خلى بالك انت في أملة ماحدش يحلم بيها وإن كان ع التوبة والحج... ابقى حج تانى يا أخي... انت فقير يعنى ؟ ولا هي السعودية هاتفقل بيبانها ؟!! حط عقلك في راسك.. واعرف خلاصك... وقد أعذر من أنذر... في اليوم التالى فوجئ بأبى سريع شيخ الغفر نفسه والقاضى حلاوة العنتبلى أيضًا يقبضان عليه في قوة كبيرة من خفر العمدة الخصوصي، مع مصادرة جميع أمواله وفصله من جميع مناصبه، وتسخيم وجهه بالنيلة السوداء مع إركابه حمارًا بالمقلوب يمشى على ثلاثة كمشية القرندل، وإعلان أمره لجميع أهالي الكفر الكرام، وأن هذا هو جزاء من يخون الأمانة، ويستهتر بمقدرات شعب الكفر العظيم، ويعيث في الأرض فسادًا مستغلا مهام منصبه للإثراء بلا سبب، وإهدار المال العام، يجتمع أهالي الكفر للتشفى في هذا المسئول الفاسد الكبير الذي قتل أحلامهم، وسرق أموالهم، واستحل مقدراتهم، دون وازع من ضمير، أو رادع من خلق، يهلل أهالي البلد المساكين ويكبرون ويدعون للعمدة الهمام عبد الستار ابن عبد الجبار المفترى بدوام الصحة والعافية وبعد أسبوع من الحبس الانفرادى والتعذيب الممنهج، يقر مشهور الجناينى بأنه كان مجنونا ابن مجانين عندما "اتخبط في نافوخه" وفكر ثم نفذ ما فعله من أعمال تجعل الولدان شيبا، وأنها كانت ساعة شيطان رجيم لعنه الله هو وأهله أجمعين، كما نذر أن يحج للعمدة عبد الستار وجميع أهله الأطهار الطيبين الأخيار، تكفيرا عما بدر منه في حقهم، يقبل العمدة عبد الستار توبة مشهور الجناينى على مضض لأن له أشغالا كثيرة معه لا يعلم عنها شيئا ولا عن مستنداتها، ولأنه في النهاية لابد للمصالح أن تتصالح، وبينما كان مشهور الجناينى يعود إلى مكتبه في دوار العمدة مع التبريكات والتهنئات من جميع العاملين والفلاحين وكثير من الأهالي، أن أظهر الله الحق وأزهق الباطل وأهدر وشايات الواشين، وحقد الحاقدين الحاسدين الذين اتهموه زورًا وبهتانا، كان المعلم بعضشى معلم القهوة المسكين راكبا على نفس الحمار الذي كان يزف عليه مشهور بجريمته مقلوبًا أيضًا، وأهالي الكفر يقذفونه بالحجارة ويبصقون عليه بعد أن اتضح أنه كان وراء قضية الفساد الكبرى التي شغلت الكفر وأهله، وأنه أس الفساد وخط الصعيد، إثر ضبط شيخ الخفر بنفسه لديه خزنة مملوءة بالذهب من متحصلات سرقاته خلال السنين الكثيرة الماضية، كان يدفنها بمكر شديد تحت "نصبة القهوة" التي تقف عليها زوجته سنية العمشة لتحضر الطلبات لرواد المقهى للتمويه، بعد أن أبلغ عنه أحد العناصر المخابراتية السرية "المستخبية" مستدلًا على خيانته العظمى.. بأنه قام منذ أسبوع بشراء "كنكة" قهوة "استانلس" جديدة ؟!!!