أشدُّ الناس قُبحاً مَن يقابل الإحسان بالإساءة والنسيان ، والإكرام بالجحود والنكران.. ورغم أن الإسلام يوصى أتباعه بالاعتراف بالفضل لأهل الفضل ،"ولا تنسوا الفضل بينكم"،"وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، إلا أن كثيرين من الناس لا يلتزمون بهذه الفضيلة ، ويحرصون دائما وأبدا على التنكر لمن مدوا لهم يد العون والمساعدة ،يوم أن كانوا يتوارون من القوم خجلا،بسبب ما هم فيه من فقر وحاجة وضعف وهوان. والمرء لا تستقيم أخلاقه ، إلا إذا كان ممن يعترفون بالفضل لأهل الفضل، وفي صحيح الحديث : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس" و" إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس" ،"ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه" . إن مقابلة إحسان الناس ببرود ولا مبالاة يقتل فيهم المبادرة للإحسان، ويضعف عندهم التفكير في الآخرين، ويقتل فيهم المروءة والنجدة والنخوة، ويفشي السلبية . . وكلمة شكر وعبارة حمد لا يخسر قائلها شيئا، ولا تكلفه جهداً، ولكنها تعود عليه بكسب ود المحسن، وائتلاف قلبه، وتحريضه على مزيد من الخير. ومقابلة الإحسان بالإساءة مستنكرة حتى مع البهائم؛ إذ حينما فرت امرأة مسلمة من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذرت إن وصلت للمدينة ناجية أن تنحرها، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بئسما جزيتيها" ، ومُنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك. ومن العار على ابن آدم أن يكون فى البهائم من هم أحسن أخلاقا منه،فالكلاب معروفة بالوفاء لمن يحسن إليها ويكرمها. وللمحسنين الذين يلقون الإساءة بدل الإحسان عزاء في أن الله ناصر لهم كما جاء في قصة الصحابي الذي شكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي ذوي أرحام ،أصلهم ويقطعون، وأعفوا ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفكافئهم - أي بمثل إساءتهم - ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا، إذن تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك" . والكريم لا ينسى الفضل لأهله ولا يجازي الإحسان بالإساءة، بل هو يقابل الإساءة بالإحسان، وهكذا يكون أصحاب النفوس العالية، يحيون المعروف بين الناس فلا يدعون محسناً إلا ويكافئونه، ولا يمكن أن يكون المؤمن جحوداً للمعروف ولا كفوراً للعشير، ولا جحودا لمن وقفوا إلى جواره وقت الشدة.