بين متاعب الناس ومتاهات الحياة.. قصص وحكايات أغرب من الخيال.. وفيها أيضا مأس إنسانية تدمى القلوب وتبكى العيون.. وحكاية الطفل عبد اللطيف واحدة من تلك الحكايات الغريبة.. فيها تجرد والده الطبيب من كل مشاعر الرحمة والإنسانية، وظل يعذبه داخل حجرة أشبه بالحجز الانفرادى لأكثر من 70 يوما، وفى النهاية لم يجد الطفل المسكين أمامه سوى الانتحار هربا من شدة التعذيب فشنق نفسه.. حكاية عبد اللطيف وتفاصيل تعذيبه على يد والده، يرويها محقق «فيتو» فى السطور التالية: يقول المحقق: « كانت البداية عندما لاحظت ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب فى محافظة الدقهلية، ووصل عدد المنتحرين فيها 15 شخصا خلال أقل من شهر.. قررت أن أبحث فى أسباب هذه الظاهرة ومناقشتها مع المتخصصين، وأثناء بحثى استوقفتنى حالة لطفل لا يزيد عمره على 12 سنة، أقدم على الانتحار بلا سبب واضح.. أدركت أن ورائه قصة مأساوية وحكاية مثيرة، فحملت أوراقى وأدواتى وتوجهت إلى قسم شرطة شربين وهناك علمت من رئيس المباحث أن شقيقى الطفل المنتحر عبد اللطيف محمد مرزوق، اتهما والدهما بتعذيبه لفترة طويلة حتى اجبره على الانتحار.. وأوضح الضابط أن الأب اعترف فى التحقيقات بأنه كان يؤدب ابنه لأنه سرق، وأبدى سعادته البالغة بوفاته ولكنه لم يحرضه على الانتحار.. وأشار إلى أن تقرير الطب الشرعى أثبت وجود إصابات وآثار تعذيب بجسد الطفل المتوفى.. خرجت من قسم الشرطة وتوجهت مباشر إلى المنزل الذى شهد الحادث.. قبل ان أدخله علمت من بعض الجيران أن والد الطفل طبيب نساء وتوليد، ويتسم بالقسوة والعنف فى التعامل مع أولاده، كما أنه تزوج من 4 سيدات طلق منهن 3 وبقيت والدة عبد اللطيف فقط على ذمته.. صعدت إلى شقة المنتحر وفيها التقيت بشقيقه حكيم (16 سنة) وسألته عن تفاصيل الحادث.. بهدوء شديد ووسط دموعه المنهمرة بدأ يسرد تفاصيل المأساة قائلا: « أبى هو السبب فى مأساتنا جميعا.. فقد دأب على إهانتنا وإذلالنا أمام الناس بل وخصص شقة يمتلكها لتعذيبنا فيه أطلق عليها اسم «شقة التعذيب».. استطعنا ان نتخلص من جبروته وتسلطه بعد أن كبرنا وأصبح كل منا قادرا على تدبير نفقاته الخاصة، أما «عبده» فكان هو الأصغر وبقى وحده فى هذا العذاب.. منذ 3 أشهر ضبطه وهو يأخذ مبلغا من المال لشراء السجائر.. جن جنونه وانهال ضربا عليه مستخدما كرباج وعصى غليظة، ثم قيده فى جنزير ضخم طوله 4 امتار وبه قفلان من النحاس، ووضعه فى شقة التعذيب بعد أن أغلق نوافذها وبابها ومنعنا جميعا حتى والدته من الدخول إليه او تقديم الطعام له.. وكان يرسل الممرض الذى يعمل معه فى عيادته الخاصة يوميا فى العاشرة صباحا ليطعمه وهو مقيد، ويدخله الحمام مرة واحدة فى اليوم، ويضع بجواره «طبق بلاستيك» ليقضى حاجته فيه كما يحدث فى الحبس الانفرادى بالسجون.. فى المساء كان والدى يحضر إليه ويضربه ويعذبه بأبشع الطرق، وكان عبده يتحمل ولا يبكى، فيزداد أبوه غيظا ويضاعف عذابه».صمت حكيم قليلا واستطرد: « ظل هذا الوضع لنحو 70 يوما وقبل انتحاره بيومين.. فوجئت بشقيقى ينادى على بصوت عال، فأسرعت إليه خلال الفترة القليلة التى حددها والدى لزيارته.. قال لى: « أنا بحاول انتحر بس مش عارف.. الجنزير مربوط جامد ومقدرتش أحله».. هدأته قليلا وطلبت منه الصبر.. أجابنى: « أنا زهقت.. نفسى أشوف الشمس وأشم الهوا النقى.. حاول تصور لى الناس والجيران والشوارع وكمان الموتوسيكلات والعربيات.. أنا قربت أنسى شكل الحاجات دى».. فوعدته بأننى سأزوره المرة المقبلة ومعى الصور.. فى السابعة من صباح يوم انتحاره، دخل والدى على عبده فوجده قد تمكن من فك جزء من قيوده، فضربه بقسوة.. لم يبك وأكد له انه سينتحر.. فقال والدى « طيب خد الملاية دى.. اربطها فى سقف الحجرة واقف على الكرسى واربطها فى رقبتك، وبعدين ارمى الكرسى من تحت رجليك، وفى ثوانى هتموت من غير ما تحس بحاجة.. انا دكتور وعارف».. فى المساء عثرنا على جثة عبد اللطيف معلقة فى السقف.. لم نصدق أنه نجح فى الانتحار والتخلص من عذابه.. أخبرنا والده ففوجئنا به يضحك وهو يقول « وأيه يعنى.. مع ألف سلامة.. ارتاح وريح» ثم أسرع بإخفاء الجنزير واتصل بطبيب صديقه لتزوير تقرير طبى يظهر الوفاة وكانها طبيعية.. أبلغت الشرطة أنا وشقيقى مصطفى، وحضرت قوة من المباحث ونقلت الجثة الى المشرحة، وفى التحقيقات اتهمنا والدنا بتعذيب عبد اللطيف وتحريضه على الانتحار وأحيل الى النيابة التى تولت التحقيق معه». امتلأت نفسى أنا محقق « فيتو» هما وغما وتركت المنزل وفى رأسى سؤال يتردد : « ما كل هذه القسوة التى تدفع أبا لتعذيب ابنه حتى يجبره على الانتحار؟».