كان المشهد غريبا ومثيرا.. «رجل فى العقد الخامس من العمر يمسك سكينا حادا ويمزق به جثة شاب لا يتجاوز عمره 22 عاما ويفصل رأسه عن جسده بعنف واضح.. يخضب يديه وقدميه بدماء القتيل ويضعها على وجهه.. يضحك بصوت مرتفع وهو يردد «لقد انتقمت.. أخذت بثأرى وهدأت نفسى وانطفأت النار المشتعلة فى قلبى».. يجلس القاتل على ركبتيه ويبكى بكاء حارا ويقول: « الآن نم مرتاحا فى قبرك يا ابن أخى.. ها هو قاتلك جثة ممزقة.. وانت يا أخى الحبيب سامحنى فلم استطع حفظ الامانة واغتال المجرمون ابنك فى غفلة منى».. من حوله وقف العشرات من الأهالى وقد تملكتهم حالة من الفزع والرعب الشديدين»..هذا المشهد لم يكن جزءا من فيلم رعب امريكى، وإنما حدث على أرض الواقع فى محافظة أسيوط ،وقد سبقته أحداث مثيرة كشفها محقق «فيتو» من خلال شهود العيان ويرويها فى السطور التالية: ما ان علم المحقق بوقوع جريمة قتل جديدة فى قرية مجريس التابعة لمركز صدفا، حتى حمل أدواته وانطلق الى القرية لمعرفة أدق التفاصيل.. هناك التقى عددا من الاهالى وسألهم عما حدث، فقال احدهم رافضا الكشف عن اسمه خشية أن يتعرض لمكروه: « هذه الجريمة لم تكن الأولى ولن تكون الاخيرة.. فقد سبقتها عدة جرائم قتل بشعة فى مسلسل الثأر بين عائلتى «الرئيسية» و «المغاربة» وبسببهما تحولت حياتنا الى جحيم لا يطاق».. قاطعه المحقق متساءلا: « وما سبب هذه الخصومة ومتى بدأت؟».. أجاب: «عقب ثورة 25 يناير حدثت خلافات عادية بين العائلتين ولكنها تطورت بسبب العصبية الى مشاجرة مسلحة انتهت بمقتل طالب فى كلية الآثار من عائلة المغاربة، فردت عائلته بقتل رجل وزوجته من الرئيسية، ثم قتلت صبيا ثالثا يدعى «خليفة عبدالنبى» عمره 15 عاما.. وفى المقابل قتلت عائلة الرئيسية شخصا وأصابت 9 آخرين من المغاربة فى معركة دارت بين العائلتين وسط المقابر، ولكن هذا لم يشف غليل كبير الرئيسية عبدالعال الأكحل، وراح يتحين الفرصة لقتل المزيد من المغاربة انتقاما لابن اخيه «خليفة». انتقل المحقق الى شاهد عيان آخر وسأله عن تفاصيل الحادث الأخير فقال: «بعد ان ضاق الخناق على عائلة المغاربة، لجأ كبيرهم «حلت المغربى» الى المكر والخديعة فنقل أسرته وأقاربه خصوصا قاتل «خليفة» المدعو «علاء الشاطر» الى جزيرة «مجريس» حتى يكون بين أولاد عمومته هناك، واتخذوا من المدرسة الوحيدة بالجزيرة مقرا لهم وتحصنوا بها، ومنعوا المدرسين والتلاميذ من الذهاب إليها.. لم يمنع هذا عائلة الرئيسية من مطاردة خصومهم وحدثت بينهما معارك ضارية استخدمت فيها الأسلحة الآلية والاوتوماتيكية داخل المدرسة، وتواصل الكر والفر لمدة 4 أيام بعدها هدأت الامور.. ظن المغاربة ان المعركة انتهت فتركوا المدرسة وانتقلوا الى منازل أقاربهم فى الجزيرة».. استطرد الشاهد: « حدث ما لم يتوقعه أحد.. حيث اتصل أحد أفراد المغاربة بزعيم الرئيسية وأخبره بأن خصومه تخلوا عن حصنهم وتركوا المدرسة، وان قاتل ابن شقيقه عاد الى منزله فى الجزيرة ويمارس حياته بشكل طبيعى والفرصة سانحة أمامه لقتله، ليتساوى عدد القتلى من الطرفين ومن ثم إنهاء الخصومة الثأرية.. لم يصدق عبدالعال الأكحل هذا الكلام فى البداية وظن انه خدعة ومحاولة لاستدراجه هو وأنصاره الى كمين.. أرسل عيونه وجواسيسه الى جزيرة مجريس لاستطلاع الأمر، وفى المساء عادوا وأكدوا صحة الخبر». التقط طرف الحديث شاهد ثالث وأوضح للمحقق: «لم يضيَع عبدالعال الأكحل الفرصة، ووضع خطة عبقرية للإيقاع بخصومه.. حيث انتقل مع عشرين من أتباعه المسلحين الى الجزيرة مرة أخرى، وقسموا أنفسهم الى فريقين.. الأول يضم 15 شخصا وهؤلاء مهمتهم مهاجمة منازل المغاربة ومحاصرتها وإجبارهم على الفرار من طريق واحد هو المؤدى الى المدرسة.. والثانى يضم 5 أفراد يقودهم عبدالعال ومهمته السيطرة على المدرسة، ونصب الأسلحة على سطحها استعدادا لقدوم المغاربة.. وبالفعل نفذ الفريق الاول مهمته ونجحت الخطة وأصبح أفراد عائلة المغاربة بين شقى الرحى.. وقبل أن يصلوا المدرسة بنحو 50 مترا، فتح عبدالعال وفريقه النار بكثافة عليهم فأسقطوا قتيلا يدعى «محمد سليمان»، وأصابوا آخر يدعى «حامد على».. لم يقنع الأكحل بذلك وراح يتتبع قاتل ابن شقيقه «علاء الشاطر»، وما أن شاهده حتى أمطره ب«56» رصاصة استقرت فى جسده وهشمت رأسه تماما، وعندما تأكد من موته أمر بوقف إطلاق النار ونزل من المدرسة وتوجه الى جثته، وأخرج سكينا حادا وراح يمزقها بعنف.. بعد ذلك قام بقطع رأس القتيل ورفعها أمام الناس، وخضب يديه ورجليه ووجهه بالدماء وأعلن أنه أخذ بثأر عائلته». عاد المحقق يسأل: «ما سر إصرار عبدالعال الأكحل على قتل قاتل ابن شقيقه رغم أن الثأر من الممكن أخذه من اى فرد من عائلة الخصوم»؟.. أجاب الشاهد: «عبدالعال لا ينجب وقد اتخذ من ابن شقيقه «خليفة» ابنا له وتولى تربيته منذ صغره بعد الحكم على والده بالسجن لمدة 15 عاما.. وكان يتعامل معه وكأنه أمانة ولابد من إعادته لوالده بعد خروجه من محبسه، ومن الطبيعى أن يثور كل هذه الثورة بعد مقتل الصبى».. قال المحقق: «وأين الشرطة من كل هذه الأحداث؟».. أجاب الشاهد: «كالعادة حضرت قوات الشرطة بعد الانتهاء من المعركة وهروب الجناة واختفاء الأسلحة، ونقلت القتيلين والمصاب الى مستشفى أسيوط الجامعى، وبدأت النيابة العامة تحقيقاتها في الحادث وصرحت بدفن الجثتين.. ومازالت المعركة مستمرة لتفوق الرئيسيىة بقتيل على المغاربة، وربما تشهد الأيام المقبلة معركة جديدة وقتلى آخرين».