على أنغام صليل السيوف و السنج و المطاوي, يتراقص محمد على باشا فى قصره العتيد بالسويس, قبل أن يعدل مزاجه و يزن رأسه بدخان أزرق مختلط بآخر أبيض خلفته سيجارتا حشيش و بانجو أشعلهما عدد من البلطجية الذين احتلوا القصر المنيع و حولوه إلى خرابة.. عن قصره يحكى الباشا وأوصاله ترتعد خوفا من بطش خارج على القانون أضحى بين يوم و ليلة من سكان القصور « قبل نحو قرن و نصف القرن شيدت قصري هذا عام 1861 على كورنيش السويس القديم لأقضى به بعضا من أيام العام.. وعقب زوال الاحتلال الانجليزى, تحول القصر الى استراحة للمحافظة ثم مقرا لمديرية الأمن فقسم شرطة, الى أن اصبح مرتعا للبلطجية و الخارجين على القانون». يتلفت الباشا حوله و يهمس « المجلس الأعلى للآثار أدرج قصري هذا ضمن الآثار الإسلامية, و لذلك كان لابد من إخراج رجال العسس -اقصد الشرطة - منه, فما كان منهم سوى الانتقام بان اخذوا معم كل نفيس و غال, و تركوا المكان حطاما تحول فيما بعد إلى خرابة سكنتها أشباح الإنس من المجرمين و أضحت الأعمال المنافية للآداب ترتكب فى حضرتي.. أمان أفندم أمان»!! بخياله يسرح الباشا متذكرا أياما خوالي حين شيد قصره هذا بشارع النبي موسى للإقامة فيه أثناء إشرافه على إنشاء الترسانة البحرية « صمم القصر على الطراز التركي من طابقين و قبة مرتفعة , و ذلك على ايدى معماريين من ايطاليا وفرنسا, وكان على كل واحد منهم تعليم 4 من المعماريين المصريين أسرار المهنة و فنون الصنعة.. و من هذا المكان كنت اخطط للحملات التى أرسلها للسودان و الحجاز». صامتا كالأصنام, تسمر الباشا فى مكانه و هو يشاهد صورته الفخمة المعلقة على الجدار وقد طالتها أدخنة الحشاشين ومدمني البانجو, فتآكلت معظم أجزائها وغطت في سواد عظيم, فوضع رأسه بين يديه و راح يبكى مجدا كان!!