«الخلافة العثمانية أولا وأخيرًا» حقيقة تؤكدها سياسات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يومًا بعد الآخر، ما يفسر أسباب معاداته للحكومة المصرية، وسط فشل متواصل لتحويل مصر إلى مجرد إمارة في خلافة الباب العالي. «أردوغان» لا يزال يعيش على أمل استعادة أمجاد أجداده وإعادة بناء الإمبراطورية التركية العثمانية معتمدًا على انهيار بعض الأنظمة العربية نتيجة صراعات داخلية عنيفة وأصبح التحكم فيها سهلا، وجن جنونه عندما تحولت مصر إلى «حجر العثرة» الذي يقف في حلقه بشكل دائم، ويتحدث كثيرون عن أن «أردوغان» يتمنى ليل نهار زوالها من على وجه الأرض. وأمام سعيه الدؤوب ل«لملمة أوراقه» بالمنطقة، لم يكن غريبًا أن يطلق أردوغان مبادرة لتحقيق المصالحة بين حركتى فتح وحماس الفلسطينيتين والمصالحة بين فلسطين وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتقديم عرضٍ لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة، قبل أن يعقد في القاهرة ويشارك فيه عدد كبير من المانحين من كل دول العالم. سقوط الإخوان في مصر بعد «30 يونيو»، كان بمثابة أول «حبة» تنفرط من عقد المخطط التركى ل«أسلمة الشرق الأوسط» تحت مظلة تركية، ثم تبعها سقوطهم في باقى الدول والتي كان أردوغان يحرص بشدة على تأييد حكوماتهم المنتمين للجماعة بعد ثورات الربيع العربى وتقديم كل المساعدات التي تضمن بقاءهم بالحكم. ويبرز سبب ثالث لكراهية أردوغان ونظامه للوجود المصرى ويجسده شغفه الدائم للحصول على عضوية الاتحاد الأوربى والتي ستوفر مزايا مادية اقتصادية وأيضًا سياسية لأنقرة بلا شك، وبسط نفوذ تركيا على عدد من العواصم العربية يساعد كثيرًا في تحقيق هذا الهدف. في الآونة الأخيرة وقبل سقوط الإخوان في مصر وتراجع الدور المصرى دوليًا وإقليميًا كان «أردوغان» يحاول بكل طاقته الظهور في صورة الوسيط الدائم في حل قضايا المنطقة وهو الكارت الذي يضغط به على برلمانات الدول الأوربية لقبول دولته عضوا بالاتحاد الأوربى ولكنهم ما زالوا يتمسكون بتحفظاتهم على انضمام أنقرة للاتحاد والاستفادة من مزاياه. وبالإضافة إلى ما سبق فإن سياسات أردوغان العثمانية الرامية لتحقيق مصالحه على حساب الآخرين فرضت عزلة على الدولة التركية إلى حد وصل لتخلى كل حلفائه عنه بسبب مواقفه غير المقبولة تجاه ما حدث بمصر في الآونة الأخيرة بجانب مواقفه من نظام الرئيس السورى بشار الأسد والذي دفع لارتكاب أخطاء فادحة في سبيل إسقاطه كتبنى تنظيم داعش الإرهابى الذي يحارب الأسد في سوريا وفتح أبواب تركيا لأتباعه للعبور منها إلى سوريا. وفى ظل محاولات الرئيس التركى المتكررة لإسقاط نظام الأسد حتى ولو على حساب الوجود السورى بأكمله تسبب ذلك في خسارته الحليف الإيرانى كونه متضامنًا بالطبع مع نظام الأسد، فضلا عن ابتعاد روسيا عن مناصرة تركيا بسبب موقفها المعادى لسوريا والتي تؤيدها موسكو. في تحليل خاص بالأوضاع التركية، لفتت وكالة رويترز للأنباء إلى أن حلم الأتراك بشرق أوسط يحكمه الإسلام السياسي تكون جماعة الإخوان وتركيا في قلبه تبدد في الوقت الذي تهدد فيه الفوضى بسوريا والعراق حدود بلاده، كما لا تزال علاقاتها الدبلوماسية مع مصر سيئة. وأشارت إلى أن السياسة الخارجية التركية مسئولة عن عزلة الدولة عن حلفائها وهو ما سيتسبب في تدمير الحلم التركى بأن تصبح دولتهم قوة عظمى في الشرق الأوسط. ولا يخفى على أحد أن إسطنبول تملك أقوى ثانى جيش بين جيوش الشمال الأطلسى «ناتو»، وهو ما يعتبر سببًا في الصراع والكراهية الدائمة من النظام التركى لمصر، وتحديدًا أنه لم يتبق على الساحة العربية والدولية سوى الجيش المصرى بالمنطقة، ولكنه سيظل يؤرق مضاجعهم لأن فكرة زواله من المنطقة تتيح لأنقرة فرصًا واسعة للسيطرة على المنطقة.