سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بوادر صراع بين الصين والولايات المتحدة فى آسيا.. استراتيجية أمريكية جديدة لخنق بكين.. خبراء: نجاحها يتوقف على طبيعة الدور.. خبير استراتيجى أمريكى يتوقع مرحلة من الاصطفافات غير المحسومة
بدأت بوادر الصراع بين الصين والولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك بعد أن أكدت شركة "مانديانت" الأمريكية لأمن الإنترنت أن الجيش الصينى مسئول عن عدد من أكثر هجمات القرصنة الإلكترونية شراسة حول العالم. وأفادت شركة "مانديانت"، التى تقدم استشارات إلى الحكومة الأمريكية فى مجال الأمن المعلوماتى من خلال مئات التحقيقات فى السنوات الثلاث الأخيرة، أن المجموعات التى كانت تهاجم مواقع الصحف الأمريكية والوكالات الحكومية والشركات تتخذ مقرا بشكل أساسى فى الصين وأن الحكومة الصينية مطلعة تماما على نشاطاتها. "استراتيجية جديدة" تأتى هذه الاتهامات الأمريكية للصين فى إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى آسيا والتى تقضى بضرورة التحول العسكرى الأمريكى إلى محور آسيا، والتى تتطلب دورا أكبر للقوات البحرية فى القارة، ويسعى الجيش الأمريكى لتنفيذها. كانت البحرية الأمريكية قد سبق أن نشرت نصف سفنها فى آسيا والمحيط الهادئ، وذلك قبل توجيهات الرئيس أوباما، وأن البحرية بصدد تطوير قاعدة عائمة لها فى المنطقة. وتنطلق الاستراتيجية من خطة تقشف ستشمل موازنة وزارة الدفاع "البنتاجون" خلال السنوات العشر المقبلة، ويتوقع لها أن توفر مبلغ 487 مليار دولار، كما تستند الاستراتيجية الجديدة على فكرة رئيسية هى "الالتزام المتجدد بتأكيد مكانة أمريكا فى منطقة آسيا/الباسفيك". يأتى هذا التحول فى الاستراتيجيات الأمريكية للأمن فى ظل الأزمة التى تعيشها الولاياتالمتحدة، بينما يشهد الاقتصاد الآسيوى دينامية كبيرة ونموا مطردا واستقرارا نسبيا، مما قد يشكل خطرا ويعمق حالة الركود والأزمة الهيكلية التى تعصف بكل من أمريكا وأوروبا. ولا شك أن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للأمن القومى الأمريكى، سيؤدى إلى انتقال تدريجى لمحور الصراع الدولى من الشرق الأوسط باتجاه شرق آسيا/الباسيفيك، حيث المُنازع الأبرز لهيمنة الولاياتالمتحدة، أى الصين. ويعدّ ذلك الانتقال الثالث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعدما تركز الصراع فى النطاق الأوروبى خلال الحرب الباردة، قبل أن ينتقل إلى الشرق الأوسط. "أهداف وغايات" وتوجد مجموعة من الأهداف والغايات جعلت الإدارة الأمريكية تسعى لتدشين هذه الاستراتيجية فى آسيا، يأتى فى مقدمتها: أن منطقة آسيا/الباسفيك تمثل مركز الثقل العالمى ديموجرافياً، واقتصادياً، وسياسياً، إذ إنها تحتضن أبرز القوى الصاعدة حالياً، أى كوريا الجنوبيةواليابان والهند والصين. وهى تحوى أو تلامس قوى دولية تقلق الأمريكيين مثل كوريا الشمالية وروسيا وباكستان. يضاف إلى ذلك كلّه تعدد الممرات البحرية الإستراتيجية أمنياً وتجارياً، وثروات بحر الصين الكامنة والمكتشفة. "خنق الصين" ويرى خبراء الأمن الاستراتيجى أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى محاولة خنق الصين ومحاصرة نفوذها المتنامى، وذلك بالتغلغل داخل مجالها الحيوى، وتطويقها اقتصاديا وأمنيا بالأحلاف والمعاهدات، وعسكريا بالقواعد فى كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، بعدما تنازلت بشكل متزايد عن الأرض لصالح الصين فى عهد أوباما، وهو الاتجاه الذى بدأ عندما أصبحت إدارة بوش مشغولة بالحرب فى أفغانستان والعراق، الأمر الذى أثار حينذاك الشكوك حول قدرة أمريكا على توفير الثقل الاستراتيجى "لمحورها" من خلال الحفاظ على مستوى أعلى من الالتزام بمنطقة آسيا والباسيفيكي، إذ تحتفظ بالفعل بنحو 320 ألف جندى من قوات مشاة البحرية. ثانى الأهداف الأمريكية، وهو تدشين سياسة اقتصادية أمريكية جديدة فى منطقة جنوب شرق آسيا، بعدما أضحت استثمارات القوى الآسيوية ليست قاصرة فقط على ضخ أموال فى دول وأسواق واعدة، لجنى أرباح ومكاسب تعزز قوتها الاقتصادية والمالية على الساحتين الإقليمية والدولية، إنما تُحسن استغلال مقدراتها الاقتصادية والمالية لاستثمارها فى زيادة مساحات تغلغل قوتها الناعمة، التى تفيدها وتدعمها فى أوقات الأزمات الخانقة. فالقوة الناعمة تمثل الرصيد الآمن، الذى يعزز قدرة عمالقة آسيا على امتصاص الهزات الارتدادية التابعة لنشوب خلافات مع الجيران أو أطراف خارج القارة والصمود فى وجهها ونزع فتيلها إن أمكن، ومن أبرزها أمريكا. "التركيز على الاقتصاد" وانطلاقاً من ذلك تسعى واشنطن إلى التركيز على الجوانب الاقتصادية للمحور الأمريكى الجديد، لمحاولة توليد المزيد من فرص التصنيع المحلية من خلال زيادة الصادرات إلى "المنطقة الأسرع نمواً والأكثر ديناميكية على مستوى العالم". ومن هنا يمكن تفسير زيارة الرئيس الأمريكى أوباما إلى دولة ميانمار "وهى أول زيارة من نوعها على الإطلاق يقوم بها رئيس أمريكى" أنها كانت تدور حول التجارة بقدر اهتمامها بفطام دولة ذات موقع إستراتيجى وغنية بالموارد الطبيعية عن النفوذ الصيني. "إعادة التوازن" ثالث الأهداف والغايات الأمريكية، هو إعادة التوازن إلى منطقة آسيا من جانب، ومراجعة جدية للسياسة الأمريكية فى المنطقة فى ظل بروز قوى صاعدة من جنوب شرق آسيا، مثلما تسعى واشنطن الآن إلى إعادة النظر فى التعامل مع إيران، خاصة أن سياسة العداء المستمر مع الدول الأكثر بروزاً على الساحة الدولية هو ما يجعلها أكثر عداءً للولايات المتحدةالأمريكية. وفى واقع الحال كان صعود الصين مثلاً، بمثابة هدية للدبلوماسية الأمريكية، إذ عززت ووسعت من ترتيباتها الأمنية فى آسيا، كما وثقت كوريا الجنوبية تحالفها العسكرى مع الولاياتالمتحدة، وتراجعت اليابان عن مطالبتها بنقل قاعدة مشاة البحرية الأمريكية خارج جزيرة أوكيناوا. أما الهند وفيتنام وإندونيسيا والفلبين فقد أخذت ضمن قوى أخرى، تدور بشكل أكبر فى الفلك الأمريكي. لكن العامل الصينى يبقى مساعدا طالما رأى شركاء أمريكا فى واشنطن ضامنا ذا مصداقية للأمن والاستقرار، وهى المهمة التى لا تستوجب قوة عسكرية بل إرادة سياسية فى واشنطن. "ثقل مواز للمنافس" وأخيراً، فإن التحركات الأمريكية فى آسيا تهدف إلى تشكيل ثقل مواز للمنافسين الآخرين فى المنطقة مثل روسيا، إضافة إلى أهميته فى مواجهة التهديد الذى تشكله كوريا الشمالية، وذلك بالرغم من أن محللين عسكريين يقولون إن التوجه العسكرى الأمريكى نحو المحيط الهادئ ليس له علاقة تذكر بالنظام فى بيونج يانج. ويمكن القول إن مستقبل هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى آسيا، مرتبط بالدور الذى يمكن أن تلعبه واشنطن بين دول المنطقة، بمعنى إذا كان هذا الدور تدخلياً فإن هذه الاستراتيجية محكوم عليها بالفشل مسبقاً، وإذا ما عززت الولاياتالمتحدة علاقاتها مع الصين على حساب القوى الآسيوية الأخرى بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند، فإن ذلك سيؤدى إلى إضعاف الشراكة والتحالف اللذين تقودهما الولاياتالمتحدة فى المنطقة وهو ما قد يدفع كل حليف أو شريك لواشنطن إلى السعى لبناء قدراته الدفاعية الذاتية الكافية بدلا من الاعتماد على تطمينات الولاياتالمتحدة. "اصطفافات غير محسومة" وفى هذا السياق يؤكد زبجنيو بريجنسكى -الخبير الاستراتيجى ومستشار الأمن القومى فى عهد الرئيس جيمى كارتر- أن السيناريو الأرجح هو الدخول فى حقبة طويلة من الاصطفافات غير المحسومة التى تجمع القوى الإقليمية والعالمية على السواء، ولن يكون فيها فائزون كبار بل خاسرون كثر، والخاسرون -فى منظوره- هم أولئك الذين رهنوا أمنهم واقتصادهم ومصيرهم بالولاياتالمتحدة. فضلاً عن أن مستقبل قضية الأمن فى آسيا مرهونة إلى حد كبير بنوع العلاقات بين واشنطن وطوكيو خلال المرحلة المقبلة ، وما إذا كانت السياسة الأمريكية تجاه اليابان ستتغير بتغير الظروف الجيوبوليتيكية فى شرق آسيا، فاليابان هى الديمقراطية الوحيدة فى شرق آسيا التى يمكن أن توازن قوة الصين الصاعدة فى المنطقة. وبينما تفضل الصين يابان معتمدة على أمريكا فى أمنها أكثر من يابان أكثر استقلالية، فإن النظام الذى أقامته الولاياتالمتحدة فى حقبة ما بعد 1945 يناسب بقاء اليابان محمية أمريكية أكثر من كونها عامل توازن قوى مستقر. وبالتالى قد لا تقبل اليابان مثل تلك العلاقة الارتباطية فى أمنها اعتماداً على واشنطن، الأمر الذى يثير حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة عكس ما تسعى إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية. "مرهون بالتطمينات" ويبقى التأكيد على حقيقة أن دور أمريكا المركزى فى آسيا سيستمر فى المستقبل المنظور، لكن هذه الاستمرارية على المدى المتوسط والبعيد وما تنطوى عليه من ترتيبات أمنية تبقى رهنا بمصداقية التطمينات الأمريكية الأمنية لحلفائها وشركائها فى المنطقة، لأن نجاح بناء أى نظام أمنى لابد أن يرتكز على رؤى وتصورات دول هذا البناء الجديد للأمن.