الانقسام العميق فى مصر [email protected] ما يحدث فى مصر ليس خلافًا عاديًا، بل وليس اختلافًا بين كتل متنوعة، إنه انقسام عميق وحاد حول مسائل جوهرية فى السياسة، وحول مستقبل الوطن، ومن ثم من الصعب حله. الإخوان المسلمون ومعهم كل التنويعات الإسلامية التى خرجت من عباءتهم والتى تدور فى فلكهم بدرجة أو بأخرى فى جانب، ومعظم مكونات المجتمع المصرى الأخرى فى جانب آخر، ولا تصلح الحلول التوافقية أو التنازلات للوصول إلى حل وسط، نحن أمام طرق مختلفة تماما وتوجهات مغايرة بل ومتصادمة، وهناك العديد من أوجه هذا الانقسام: أولا: الانقسام حول اكتمال الثورة، فالإخوان وحلفاؤهم يجزمون بأن الثورة انتهت ونجحت بوصولهم للحكم عبر صناديق الانتخابات، ويرون بالتالى أن ما يحدث هو فوضى وتعدٍ على الشرعية، فى حين يرى صناع الثورة الحقيقيون أن الثورة لم تكتمل وأنها اختطفت من القوى الإسلامية لمحاولة تغيير اتجاهها وأهدافها، بل والذهاب بها إلى طريق يعادى الأهداف التى قامت من أجلها، ولهذا يرى الثوار أن شرعية الثورة قائمة، والنضال الثورى مستمر حتى يتم إعادتها لمسارها الصحيح لصالح الشعب وليس لصالح جماعة دينية. ثانيا: هناك انقسام حول حدود سلطة الصندوق، فالإخوان يتصورون أن الانتخابات منحتهم تفويضا كاملا للسيطرة على كل شيء، هم يرون أن الانتخابات غزوة، والحكم غنيمة، ويتصرفون على هذا الأساس، وقد نجحوا بالفعل فى تمرير دستور يؤسس لاستبداد جديد وعدد من القوانين المعيبة مثل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون حماية الثورة، وقد ترتب على هذا الخطأ فى التصور عدد آخر من الخطوات التى تمهد لفاشية دينية قد تطيح بكل مقومات الدولة المصرية فى سنوات معدودة، فى حين يرى العقلاء أن تفويض الصناديق هو تفويض مؤقت ومقيد بسلطة القانون وبرضى الشعب، فإذا قام المنتصر فى الانتخابات بإصدار قوانين تؤصل لسلطة مستبدة ففى هذه الحالة تسقط شرعيته وشرعية هذه القوانين أو الدساتير وتعود السلطة مرة أخرى للمربع الأول وهو الشعب، ولهذا نشأت فى الأدبيات السياسية ما يسمى ب "سلطة المجتمع المدنى"، فالمجتمع المدنى بفضائه الواسع هو المعبرعن نبض الجماهير فى الفترات التى تفصل الانتخابات، والمجتمع المدنى يراقب ويقيم أداء السلطة، وعندما تخرج الجماهير الحاشدة للشوارع معترضة على سلوك السلطة المنتخبة، فعلى هذه السلطة أن تستمع وتنفذ إرادة الشارع أو تدعو لانتخابات جديدة.