سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير يؤكد تصاعد تهديدات الأمن الفكري في دول الاقليم.. صعود التنظيمات القاعدية واتساع نشاط الحركات الجهادية السبب.. والثورات أدت إلى تعميق التهديدات لكنها لم تكن السبب
أصدرت وحدة التحولات الداخلية، الإقليمية، بالمركز الاقليمي للدراسات، حول إشكاليات تحقيق الأمن الفكري في دول الإقليم، أشارت خلاله إلى خطوات عربية فاعلة لمواجهه قوى التطرف. وقال التقرير بأن حدة تهديدات الأمن الفكري في دول الإقليم تصاعدت، خاصة عقب تصدع حكم التيارات الإسلامية في بعض تلك الدول، بالتوازي مع صعود التنظيمات القاعدية المسلحة، في خضم الصراع الأهلي المحتدم في سوريا، وامتداد شبكاتها إلى دول الجوار وعلى رأسها العراق والأردن، واتساع نطاق النشاط الإقليمي للتنظيمات الجهادية والإرهابية في اليمن ودول المغرب العربي، في مقابل تبني تيارات أخرى اتجاهات متطرفة تحكمها محاكاة الظواهر السلبية في المجتمعات الغربية، بما أدى إلى تآكل الوسطية والاعتدال الفكري، التي حفظت تماسك واستقرار المجتمعات، وهو ما يعني أن اهتمام دول الإقليم بسياسات الأمن الفكري لم ينجح في تحقيق غاياته في احتواء التوجهات المتطرفة. وأكد التقرير على أن تهديدات الأمن الفكري في دول الإقليم لم تكن أحد مستجدات الثورات العربية، حيث إن الصدام بين التيارات الفكرية الحدية يرتبط بجدليات الهوية وأزمات الاغتراب في ظل الاستعمار الأجنبي منذ عقود، في حين أدت تلك الثورات إلى تعميق تهديدات الأمن الفكري نتيجة حالة الضعف التي أصابت بعض دول الإقليم، واتساع نطاق الصراعات الأهلية، وصعود الانتماءات الأولية والاتجاهات الانفصالية في مقابل انزواء الانتماء الوطني. وأشار التقرير إلى أن أهم الأنماط الصاعدة للتهديدات الفكرية تضم خمس نقاط في مقدمتها التوجهات التكفيرية، حيث اكتسبت الأفكار المتطرفة القائمة على تكفير الدولة والمجتمع زخما متصاعدا عقب الثوارت العربية، ففي مصر أدى سقوط حكم جماعة "الإخوان المسلمين" إلى تصاعد نشاط بعض التنظيمات الإرهابية مثل جماعة "أنصار بيت المقدس" ودعوتها لتبني توجهات تكفير مؤسسات الدولة، فضلا عن تكون خلايا إرهابية تقوم عقيدتها على تكفير القوات المسلحة والشرطة وتنفيذ التفجيرات والاغتيالات لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفها، على غرار جماعة "أجناد مصر" التي أعلنت مسئوليتها عن تفجيرات جامعة القاهرة ومنطقتي الدقي وفيصل، منذ مطلع أبريل. اما الأمر الثاني فتمثل في النزعات الطائفية، حيث ارتبطت الثورات العربية بتفجر صدامات طائفية على امتداد المنطقة العربية، خاصة في العراق، اليمن، سوريا. ويأتي تدنيس المقدسات، كثالث هذه النقاط حيث شهد الصراع الأهلي في سوريا تدمير عشرات الكنائس والمساجد الأثرية بصورة متعمدة، فضلا عن نبش بعض الأضرحة الشيعية وتخريبها، مثل تدمير مرقد حجر بن عدي بالقرب من دمشق، وهو ما أدى إلى تفجر عمليات انتقام طائفي بين التيارات السنية والشيعية عبر الاستهداف المتبادل للمساجد، وغيرها. وأشار التقرير إلى التوجهات الإلحادية،حيث ارتبط تصاعد التطرف الديني بظهور مفاجئ ل"الملحدين"، الذين أعلنوا عن توجهاتهم، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة صفحات "ملحد وأفتخر" و"ملحدو الجزائر" و"ملحدو سوريا" و"ملحدون بلا حدود"، أو من خلال الظهور ببعض البرامج التليفزيونية والترويج للأفكار الإلحادية. وأخيرا التفكك القيمي، بالإشارة إلى بدء بعض الناشطات العربيات في تبني توجهات منظمة "فيمن" الدولية التي تستخدم الجسد كأداة للاحتجاج. وأشار التقرير إلى تصاعد اهتمام الدول العربية بقضية الأمن الفكري كآلية لاجتثاث التطرف بكافة أنماطه من مجتمعاتها، حيث أعلن خلال اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، الذي عقد بالرباط في ۱۳ مارس عن تأسيس المكتب العربي للأمن الفكري التابع لجامعة الدول العربية، وتم التأكيد على ضرورة التعاون والتنسيق لتحقيق الأمن الفكري للدول العربية، والتصدي لاتجاهات التطرف والإرهاب التي باتت تجتاح المنطقة. وأكد التقرير أن المملكة العربية السعودية واحدة من الدول التي تولي اهتماما خاصا بالأمن الفكري، حيث شهدت تصاعدا في الفعاليات الهادفة لتعزيز الأمن الفكري، وعلى جانب أخرى يأتي الاهتمام في مصر حيث وقع بروتوكول تعاون بين مشيخة الأزهر ووزارتي الأوقاف والشباب في مصر، بهدف تحقيق الأمن الفكري بين طلاب جامعة الأزهر، والتصدي للأفكار المتطرفة من خلال دمج طلاب الأزهر في فعاليات وزارة الشباب التثقيفية. وأكد التقرير على أن ذلك لاينفصل عن دور بعثات الأزهر الشريف في الدول المختلفة، خاصة أفغانستان وباكستان، في تجفيف منابع الفكر المتطرف، حيث كشف الدكتور زغلول السيد عطية البحيري مدير بعثة الأزهر الشريف في أفغانستان، في أبريل ۲۰۱4، عن حيوية الدور الدعوي والتنويري للأزهر في أفغانستان، وجهوده لتأهيل قيادات أفغانية على المستوى السياسي والمجتمعي، إلى درجة أن عبد الله عبد الله أحد مرشحي الرئاسة في أفغانستان طالب بأن ترسل مشيخة الأزهر مزيدا من العلماء لأفغانستان لنشر الفكر الوسطي المعتدل، وتواكب ذلك مع تصاعد أنشطة التوعية التي ينظمها "المركز العالمي للوسطية" في الكويت في مواجهة دعم "الإخوان المسلمين" للجهاد في سوريا والتيارات المتطرفة في مصر، وتحذيرات رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة من تصاعد مخاطر التطرف والإرهاب نتيجة للصراع الدائر في سوريا. ويؤكد التقرير على أن مراجعة أنشطة تعزيز الأمن الفكري في دول الإقليم تكشف عن الافتقاد لاستراتيجية متكاملة لمواجهة التهديدات الفكرية المتصاعدة وغير التقليدية؛ إذ تقتصر التجارب الرائدة في هذا الصدد على برنامج "المناصحة" في المملكة العربية السعودية بهدف تقويم معتنقي الأفكار المتطرفة من خلال محاضرات مكثفة تشرف عليها لجنة من علماء الدين بهدف تأهيل متلقيها لإعادة دمجه في المجتمع، إلى جانب المراجعات الفكرية التي أعلنتها "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد" في مصر في تسعينيات القرن الماضي لإعلان نبذ العنف والكف عن تكفير المجتمع، وهي المراجعات التي لم تنجح في اجتثاث الإرهاب من جذوره، بما أدى لتجدده في مرحلة لاحقة عقب تداعي حكم جماعة "الإخوان المسلمين". ويؤكد التقرير على أنه بالرغم من اعتبار الأزهر الشريف مركزا للوسطية في الإقليم، إلا أن دوره قد شهد انحسارا متصاعدا في ظل حالة الضعف التي أصابت مؤسساته، وتراجع تمويل أنشطته في الآونة الأخيرة، فضلا عن اختراق جماعة "الإخوان المسلمين" والتيارات الجهادية لصفوف الدارسين وأعضاء هيئة التدريس به، وهو ما يرتبط بتصاعد أعمال العنف داخل جامعة الأزهر من جانب الطلاب واشتباكهم مع قوات الأمن، وقيامهم بتخريب بعض المنشآت الجامعية، بما أثر سلبا على أداء المؤسسة لوظائفها في التوعية بخطورة التطرف ونشر الفكر الوسطي. ويشدد التقرير على أن مراجعة وتجديد الخطاب الديني للأزهر أصبح حتميا للحفاظ على مكانتها العالمية، وذلك بالإشارة إلى ما أعلنه مفتي الشيخ طلعت صفا تاج الدين، مفتي روسيا، خلال مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بداية العام الجاري، إلى أن روسيا منعت إرسال البعثات إلى الأزهر عقب استقطاب الجماعات الدينية المًتطرفة للطلاب، مما أدى إلى تراجع ثقة روسيا في الأزهر ووقف البعثات. وانتهى التقرير إلى أن التصدي لموجة التطرف الصاعدة وتهديدات الأمن الفكري سالفة الذكر يرتبط بتجاوز مراكز الفكر الديني المعتدل، مثل مركز "الوسطية العالمي" في الكويت، ومركز "محمد بن نايف للمناصحة والرعاية" بالسعودية، لنطاقات دورها النخبوي، والتوسع في توعية المواطنين، خاصة الشباب، عبر أنشطة مجتمعية تجتذب قطاعات واسعة منهم، وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي في الوصول للشباب، فضلا عن تأسيس قنوات إعلامية واسعة الانتشار لترويج الفكر الديني والأخلاقي الوسطي، والتصدي للتطرف والتغريب والاختراق الفكري للمجتمعات.