ماذا يريد المجلس العسكرى أن يقول عندما يقف جندى على مبنى مجلس الشعب ليتبول على المعتصمين والمتظاهرين فى شارع قصر العينى؟ هل هذه أخلاق جيش فى دولة محترمة تبحث عن هيبتها وتقول أجهزة إعلامها أنها تقتل وتسحل وتضرب من أجل هيبة الدولة؟ المشهد لن يُنسَى: جنود الجيش المصرى يتصرفون مثل الميليشيات، يتقافزون أعلى مبنى مجلس الشعب، ويكسرون حجارته، يلقونها على المعتصمين، ويشيرون بإصبعهم الوسطى، ويتبولون. ميليشيات أم جيش؟ ولماذا هم فرحون إلى هذا الحد؟ هل يشعرون بالانتصار عندما اقتحموا الاعتصام ليلا، وروعوا المعتصمين العزل؟ هل هؤلاء هم البواسل، كما يسمى الشعب جيشه؟ ولماذا تبدو بسالتهم الآن فى مواجهة متظاهرين عزل؟ يخلعون الحجاب عن فتاة ويصفعون امرأة فى عمر أمهاتهم، ويسحلون شابا ويمزقون ظهر آخر بالعصا الغليظة؟ من هؤلاء، ملابسهم متنوعة تنتمى إلى أسلحة مختلفة، يستخدمون الطرق البدائية: يستهدفون رؤوس الثوار بقطع من الرخام المسنون، ويلقون من على البنايات الرسمية بقايا مكاتب وألواح زجاج وأطباقاً، فى مشهد غير مسبوق تقترب فيه الوحدات العسكرية من طبيعة وأخلاق الميليشيا خصوصا وهى تتوج انتصارها الزاحف بسيول من الشتائم والإهانات، كأنهم يعرفون تأثير سلاح السفالة ويستخدمونه بهدف كسر نفسية الثوار وإهانتهم. من يقود ميليشيا الهيبة هذه؟ من يستعرض على الثوار بهذه الميليشيا؟ هل المجلس العسكرى منقسم على نفسه؟ هل عنان ضد المشير كما يتصور عشاق الروايات المشغولة بالكواليس؟ هل هناك فريق ثالث ضد الاثنين ويرى الانتخابات تسرق البلد؟ من يحرك أصحاب القبعات الحمراء..؟ من يحتفل بالانتخابات ثم يفسدها ليلة الفرز؟ من يختار الجنزورى ثم يحبطه فى أول خطوة قبل أن يتمكن من الدخول إلى مكتبه؟ هل هو انقلاب غير معلن؟ انتقام من الرغبة فى تسليم السلطة؟ هل يحرق المجلس العسكرى المعبد ليتوسل إليه سكان الكنبة أن يبقى ليحمى ما حرقه؟ هل وصلت إلى حد التبول؟ الأصدقاء الساخرون سموه «سلاح التبول الإرادى».. وجميعا رأيناه وسيلة همجية لميليشيا تريد إذلال شعب يريد الحرية. ربما يجد المجلس شعبا آخر تربية عصور العبودية الطويلة، يتصور الأمن فى حماية البيادات القاسية، وعاش سنوات فى ظل المستبدين ينعم بالفتات، يلهث طوال عمره خلف شقة وسيارة بالتقسيط متصورا أن هذه الحياة. واحدة من شعب المجلس صرخت فى التليفون لإحدى القنوات: تلاقى مافيش حد منهم يوميته تعدى العشرين جنيه علشان كده قاعدين فى الاعتصام. لا ترى هذه المتعالية الحقيقة، تعيش حالة إنكار تحتاج إلى علاج نفسى لترى أو تشعر أن الشهداء من جميع الأعمار والطبقات والوظائف، شيخ الأزهر قتل بجوار الطبيب والمهندس والطالب والممثل وأطفال الشوارع ومن حرمته سياسات الفساد من فرصة عمل.. كلهم قتلوا برصاص أمن يدافع عن السلطة التى تشترط الأمن دون كرامة. من تقل يوميته عن العشرين جنيها له حق فى الاعتصام والتظاهر والاحتجاج على سلطة تهينه بعد أن أفقدته فرصة الحياة وألقته فى هامش المجتمع. ميليشيا التبول والقتل أهانت الجميع.. لكنها لم تحقق هدفها وتنشر الخوف والفزع. الثوار يدافعون عن المستقبل وهذه الميليشيا الهمجية تدافع عن الماضى، تريد استعادة دولة القمع والتسلط والفساد. الشيخ عماد لم تقيده وظيفته وحرره دينه من الخوف، من الموت، والطبيب علاء لم يحرص على مستقبله المهنى الزاهر ويتصور أن حياته فى بالونته الشخصية ستحميه من الشعور بتعاسة الدولة المتسلطة. وغيرهم من شهداء مجهولين وشباب اجتهدت عائلاتهم فى تعليمهم جيدا، لكنهم بدلا من الهجرة للاستفادة بحصيلة التعليم الراقى، بحثوا عن طريق لكى يكون بلدهم محترما. .. هؤلاء هم الثوار فى كل موقعة ترك فيها المجلس علامة سوداء من العباسية إلى ماسبيرو ومحمد محمود وقصر العينى.. فمن أنتم يا ميليشيا الهيبة الكاذبة؟