كان الشباب يهتف منذ عام 2006 «يسقط يسقط حسنى مبارك» كان الهتاف وقتها بالنسبة إلىّ وأعتقد بالنسبة إلى أغلب جيلى هتافا غريبا شديد المباشرة بلا إبداع، ودون صورة مجازية ومختصرا ولا يحمل أى لبس. اعتدنا عليه، بل أصبحنا نردده. انقلب الشعار نفسه الآن وأصبح «يسقط يسقط حكم العسكر» لكن أضيف إليه شطرا مستمدا من تطور المصطلحات وهو «إحنا الشعب الخط الأحمر» هذا كله لم يثر اهتمامى. ما أثار اهتمامى وأيضا مشاعرى هو أن الهتّيف يقف فجأة وسط اندماجه الحماسى ويصمت قليلا ثم يقول: (أيوه بنهتف ضد العسكر) مش عارفة ليه بتأثر من كلمة أيوه دى. هل تعرفون لماذا أتأثر بهذا المقطع؟ لأننى لم أكن أتمنى ولا أتصور أبدا أننى سأهتف ضد العسكر، بل إننى عندما بدأت أكتب عنهم كنت لا أحب استخدام مصطلح عسكر وأفضل أن أطلق عليهم العسكريين، حتى لا تُعْطَى الكلمة انطباعا بارتباطهم بالانقلابات العسكرية الديكتاتورية التى حدثت فى دول العالم الثالث. لم أكن أتمنى وقاومت كثيرا كما قاوم زملاء لى، لكن للأسف العسكر انتزع الهتاف من فمنا بالقوة وبإصرار، للأسف أخطاء ثم خطايا ثم جرائم، وتستمر الجرائم ويستمر الدم ويزداد عدد الشهدء حتى قبل أن أكتب هذه السطور بلحظة دهست سيارات الشرطة شابا من المعتصمين أمام مجلس الوزراء، الذين كنت معهم منذ أقل من اثنتى عشرة ساعة، وأثق تماما أنهم من الشباب المخلصين، رأيتهم بنفسى يأمرون الناس أن لا يلقوا الورق فى الطريق وأن يحافظوا على الأشجار المزروعة أمام مجلس الشعب، هتفت معهم مشيرة إلى الجنود الذين يحرسون مجلس الشعب «يا ابو دبورة ونسر وكاب إحنا اخواتك مش إرهاب» ماذا فعل حكم العسكر بنا جعلنا نهتف ضده بمنتهى القوة للأسف. أيوه.. للأسف. هل اعتقد قادة العسكر أنهم سيعتذرون فنقبل الاعتذار ونسامح فى دماء الشهداء وأعين المصابين؟ أم تصوروا أننا سنفرح بمستشفى عسكرى فى الميدان ليعالج من يصيبونه؟ هل يعتقدون أننا بلهاء، لأننا كنا نتمنى أن لا نهتف ضدهم؟. لسنا بُلَهاء وأيوه بنهتف ضد العسكر. لا شرف ولا الجنزورى، ولا العيسوى ولا رجال الشرطة، فقط العسكر هو المسؤول عن كل لحظة ألم مر بها كل واحد كان يتمنى أن لا يهتف ضده واضطروه اضطرارا ليهتف. يمكننى بكل ثقة أن أصنف المشاركين فى المسيرة القادمة من مصطفى محمود إلى ميدان التحرير والتى تقدمها الدكتور أحمد حرارة الذى فقد عينيه الاثنتين واحدة فى جمعة الغضب والثانية فى السبت الدامى بأنهم شريحة عليا من الطبقة المتوسطة وانت طالع فى السلم الاجتماعى. أحد الذين يقودون الهتاف تجرأ واستخدم لفظ (واطى)، فاندفعت الشابات ينهرنه (من فضلك شتيمة لأ.. من فضلك) فسكت الشاب مباشرة، قالت لى صديقة (عرفتى ليه أنا بأحب أمشى معاهم.. أنا طلعت من هنا فى جمعة الغضب ومن ساعتها وأنا مرتبطة بيهم جدا) خجلت من أن أقول لها إننى أحب شباب إمبابة، أجدع إسعاف طائر، وأجدع هتّيفة. كنت أسير فى مسيرة نسائية داخل الميدان يوم الأربعاء، بينما كانت قنابل الغاز تنهمر داخل محمد محمود حين تقدم شاب عرفت فى ما بعد أنه من إمبابة لقيادة الهتاف وتقدم آخر وحمله على كتفيه، وبدأت المسيرة تسير خلفهما، قالت لى إحدى زميلاتى (أنا قلقانة منهم دول هيودونا على فين؟ شكلهم يقلق) تقدمت للأمام وأشرت إلى الشاب أن ينزل لأتكلم معه فنزل بمنتهى البساطة فقلت له لازم البنات هم اللى يهتفوا عشان اللافتات مكتوب عليها نسائية، قال لى ماشى يا أستاذة إحنا بس لقينا صوتكم تعب قلنا نساعد وبدأ بعدها يمنع أى شاب من الهتاف قائلا: البنات بس اللى تهتف، وكوّن مع آخرين كوردونا ليحمى المسيرة ويفتح لها الطريق.