كان العامل المشترك فى الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء، أول من أمس، مع المجلس العسكرى.. هو شكر وزارة الداخلية. يعنى السيد وزير الداخلية اللواء منصور عيسوى تم تقديم الشكر له مرتين فى يوم واحد.. فى الوقت الذى استعادت فيه الداخلية عنفها بمساعدة الشرطة العسكرية وفضها اعتصام مصابى ثورة 25 يناير والمتضامنين معهم بالقوة صباح يوم السبت الماضى، ما أدى إلى سقوط شهداء جدد ومصابين.. واستمرار قوات الأمن فى حصار المتظاهرين فى ميدان التحرير وإطلاق جميع أنواع الطلقات عليهم من رصاص حى ومطاطى وخرطوش والقنابل المسيلة للدموع وإلقاء القبض على الناشطين السياسيين واستهداف الصحفيين والمصورين وتصفية أعينهم. هكذا جاء الشكر للداخلية وأفراد الشرطة على إنجازهم العظيم فى استعادة عافيتها كما كانت أيام عصابة العادلى فى نظام مبارك المخلوع، وذلك على تحلى الأفراد والضباط بأقصى درجات ضبط النفس للتعامل من خلال الأحداث. فى نفس الوقت ربطت الحكومة هذا الشكر بتأكيدها الكامل «حق المواطنين فى التظاهر السلمى والتعبير عن الرأى».. وهو «أكلاشيه» تستخدمه الآن الحكومة وأعضاء المجلس العسكرى.. ثم يضربون المعتصمين بعد ذلك. بل ووصل الأمر بقوات الأمن إلى استقصاد المستشفى الميدانى بميدان التحرير وإلقاء القنابل المسيلة للدموع على المصابين والأطباء. إن ما حدث أول من أمس الأحد.. يذكر الجميع بما حدث فى موقعة الجمل يوم 2 فبراير من إطلاق نظام مبارك وعصابته البلطجية على المعتصمين فى ميدان التحرير وتواطؤ الجميع من أجل التخلص من المتظاهرين حتى ولو بقتلهم.. وهكذا الموقف يتكرر الآن ومنذ يوم السبت ومستمر حتى كتابة هذه السطور.. لقد سقط أكثر من 30 شهيدا وإصابة أكثر من ألف من المتظاهرين. ومع كل هذا يقدم مجلس الوزراء والمجلس العسكرى الشكر لوزير الداخلية وأفراد الشرطة على تحليهم بضبط النفس. الشكر على ماذا؟! على الانفلات الأمنى الذى ما زال «ساريا» حتى الآن، الذى بدأه حبيب العادلى وعصابته.. ويستمر برعاية رجاله فى الداخلية حتى الآن. وعلى انتشار البلطجية والمسجلين خطر الذين أطلقتهم وزارة الداخلية لترويع المواطنين، وهم المعروفون بالاسم لضباط وأفراد الشرطة ويجرى استدعاؤهم وإطلاقهم على الناس.. على تكاسل ضباط وأفراد الشرطة فى كل المجالات حتى رجال المرور لإحداث الفوضى فى الشارع. لعدم استعادة الأمن حتى الآن، وهو العنصر المهم للاستثمار والسياحة، حتى أصبحت السياحة فى الحضيض وضياع مليارات الدولارات على الخزانة المصرية. وعلى إطلاقهم الرصاص الحى والمطاطى والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، التى زاد معدل إطلاقها بعد بيان مجلس الوزراء والعسكرى. لكن ماذا ننتظر من حكومة فاشلة سلمت نفسها للمجلس العسكرى وأصبحت تابعة له وتعيد إنتاج حكومات الرئيس المخلوع حسنى مبارك، مع أنها تشكلت بزعم أنها حكومة الثورة.. ولم تفعل أى شىء لصالح الوطن خلال الثمانية أشهر من عمرها.. وهى فى الحقيقة تحولت إلى ثورة مضادة. وماذا ننتظر من المجلس العسكرى المرتبك، الذى أربك الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، التى لا يعرف أحد متى تنتهى بما فيها المجلس العسكرى نفسه.. والتفافه حول وعوده وبطئه فى القرارات ليعيد إنتاج نظام مبارك الذى خرج الشعب ضد طغيانه واستبداده و فساده. لقد كان الشعب طامحا بثورته العظيمة أن يبدأ طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.. واستعادة دور مصر بما يتناسب مع تاريخها وجغرافيتها وبشرها.. لكن المجلس العسكرى وحكومته التابعة يعوقان هذا التقدم. ويبذل المجلس العسكرى كل الجهد من أجل تشويه الثورة بعد أن استطاع تبديدها.. لكن الثوار الأصليين رفضوا ذلك.. ونزلوا إلى ميدان التحرير مرة أخرى لاستعادة ثورتهم.. ويؤكدون أن الثورة ما زالت مستمرة. لقد كان مع الثوار كل الحق فى طلبهم بإعادة هيكلة وزارة الداخلية فلا يمكن بناء دولة حديثة دون إعادة بناء الأمن بشكل آخر غير الذى كان عليه فى عصر الاستبداد.. لكن المجلس العسكرى لم يسمع ولم ير.