إما أن يختار الإنسان راحة القلب وقلة الهم، ويستقر على الرضا، وإما أن يختار الهم والحزن والضجر، ويتقلب فى نار السخط. وفى كتاب «منهاج العابدين» يعرف أبو حامد الغزالى، السخط بقوله: «ذكر غير ما قضى الله تعالى بأنه أولى به، وأصلح له فى ما لا يستيقن فساده وصلاحه»، أما الرضا فهو باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وهو لا يكون إلا بترك السخط، وسكون القلب لحكم الله عز وجل. ويعرف ابن عطاء الله الرضا بقوله: «نظر القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد، لأنه يعلم أنه اختار له الأفضل فيرضى به ويترك السخط». ويقول حاتم الأصم: «عجبت ممن يعمل بالطاعات، ويقول: إنى أعملها ابتغاء مرضاة الله. ثم تراه ساخطا على الله، رادا لحكمه. أتريد أن ترضيه ولست براض عنه؟ كيف يرضى عنك وأنت لم ترض عنه؟!». وهذا حال كثير من الناس! وفى موقف أدب الأولياء، يقول النفرى: «وقال لى أدب الأولياء أن لا يتولوا شيئا بهمومهم وإن تولوه بعقولهم»، فمن فوض أمره إلى الله، لا يحمل فى قلبه هما ولا ضجرا ولا سخطا، وإنما يبحث بعقله ويعمل بجوارحه، ويبقى قلبه نقيا وسليما وطاهرا. وجميع ما يلقى الإنسان فى هذه الحياة لا يخلوا عن نوعين: أحدهما هو الذى يوافق هواه، والآخر هو الذى لا يوافقه بل يكرهه، وتلك بحاجة إلى الصبر الجميل! فكثير منا لا يدرك خطورة اتساع أسباب الدنيا، ولذلك يحذرنا سبحانه بقوله: «يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله». ( المنافقون 9). وكذلك قوله عز وجل: «إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم» ( التغابن 14). وعلى الإنسان أن يعلم أن الله غنى عن امتحانه وابتلائه، وأنه -سبحانه- عالم بحاله بصير بضعفه، وأنه به رؤوف رحيم، فعن النبى -صلى الله عليه وسلم- قوله: «والذى نفسى بيده لله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها» (متفق عليه). وإذا علم الإنسان ذلك، فقد علم أنه لم ينزل به المكروه إلا لصالحه ولكنه يجهل الصالح، لهذا المعنى يكثر الله ابتلاء أوليائه وأصفيائه الذين هم أعز عباده، حتى يقول النبى -عليه أفضل الصلاة والسلام-: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل». (أخرجه البخارى)، ولذلك يقول تعالى: «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا». (الطور 48). ويؤثر عن على -رضى الله عنه- قوله: «إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور». وقد قال تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما». ( النساء 65). فأقسم على فقد الإيمان عمن سخط ووجد فى نفسه حرجا من قضاء رسول الله، فكيف حال من سخط قضاءه تعالى؟!