ثورة الخومينى.. عقدة الإسلاميين إدريس: جميع التيارات الإسلامية تحلم بثورة على النموذج الإيرانى تمثل الثورة الإسلامية، التى غيرت وجه الحياة فى إيران فى عام 1979، واحدة من أنجح حالات التغيير السلمى الإسلامى فى العصر الحديث. نجاح الثورة الإيرانية، كان محل إعجاب من مختلف التيارات الإسلامية فى عالمنا العربى، بغض النظر عن توجهات تلك التيارات العقائدية أو المذهبية، فجميعها تمنى، بل واجتهد لقيادة ثورة مماثلة لها فى موطنه، ومن ثم تحولت الثورة الإيرانية من نموذج محلى إلى مرشد لكل الحالمين فى مواجهة النظم الديكتاتورية، وإرساء قواعد الحكم الإسلامى. الخبير فى الشؤون الإيرانية الدكتور محمد السعيد إدريس، يبرر سر اعجاب التيار الإسلامى بالثورة الإيرانية، بأن الشعوب ظلت مقهورة تحت سطوة حكام ظلمة ومستبدين، الأمر الذى كانت تعيشه إيران قبل ثورة الخومينى، ومن ثم فالجميع يُمنّى نفسه بأن يتمكن من صنع ما سبقه إليه الشعب الإيرانى، قبل أن يلفت إلى أن بعض البلدان، اكتمل فيه ما يؤدى إلى الثورة على الطريقة الإيرانية، فيما لم يتحقق ذلك لدول أخرى. بينما برر الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية الدكتور كمال حبيب، عدم تكرار ثورة مماثلة للثورة الإيرانية، بأن عديدا من الحركات الإسلامية فى عدد من البلدان «تفتقر إلى الكاريزما، التى كان يتمتع بها مفجر الثورة الإيرانية الخومينى، الذى استطاع أن يجمع حوله عديدا من الأطياف الإسلامية واليسارية»، إلى جانب أن التيار الإسلامى الغالب الآن «تيار تقليدى سلفى، كان لا يرى ضرورة فى الخروج على الحاكم، إضافة إلى تيار الإخوان المسلمين، ولا يوجد فيه كلمة ثورة. من جانبه، وصف الباحث فى شؤون الحركات الإسلامية سمير العركى، انبهار التيار الإسلامى بالثورة الإيرانية، بأنه انبهار سياسى ثورى لا عقائدى، إضافة إلى أن التيار الاسلامى ظن أن طهران تحت حكم الخومينى، ستكون عونا لثورات مماثلة فى الوطن العربى، إلا أنها «لم تمد لهم يد المساعدة. انتفاضة الإسلاميين الجدد بعد سقوط بن على.. الغنوشى يقود تونس إلى مرحلة الإسلام الحداثى زعيم حركة النهضة: دخلت فى الإسلام الأصلى كما تلقيته من الوحى.. لا كما صنعه التاريخ القرضاوى، أردوجان، العوا، الغنوشى.. أسماء ارتبطت بما بات يعرف خلال العقدين الماضيين بالإسلاميين الجدد ممن انتفضوا إزاء أفكار وثوابت جماعات التشدد والرجعية فى عالمنا الإسلامى، وقدموا تفسيرا وممارسة عملية أكثر مرونة وتطورا لإسلام عصرى، ومن ثَم لم يكن مستغربا أن يصعد نجم راشد الغنوشى مثلا بقوة فى تونس، فى أول انتخابات تشهدها البلاد عقب سقوط نظام الرئيس الهارب بن على، رغم أن مؤسس حركة النهضة التونسية، ظل أكثر من عشرين عاما، بعيدا عن مسرح الأحداث، فى عاصمة الضباب، لندن. إن فهم الصعود المؤثر للإسلاميين الجدد، وصعود نماذج مؤثرة لها، كراشد الغنوشى، يستدعى فى الأساس التنقيب فى الأجواء والمناخات، التى خرجت من رحمها. مع سقوط الخلافة العثمانية فى عام 1924، تصاعد حلم الدولة الإسلامية كرد فعل لذلك السقوط المدوّى، ومع بداية السبعينيات من القرن الماضى، تصاعدت ملامح الصحوة الإسلامية، وفرضت نفسها على أرجاء الوطن العربى كافة، بالتزامن مع التأسيس الثانى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، على يد مرشدها الثالث عمر التلمسانى، إضافة إلى بزوغ نجم بعض التيارات السلفية. فى أعقاب الثورة الإسلامية فى إيران فى عام 1979، تزايد اهتمام الغرب بالتيارات الإسلامية، خصوصا بعد تفرُّع عديد من التيارات الخارجة من عباءة الإخوان، فبعضها كان سلميا يدعو إلى الإصلاح كطريق ممنهج للتغيير، وفرق أخرى استخدمت السلاح كطريق للقضاء على النظام القائم. ومع مرور السنوات، وتراجع فكر القومية العربية، التى أسس لها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقيام عديد من الأنظمة الديكتاتورية التى جعلت من الدين قاعدة سهلة لترسيخ نظامها السياسى، إضافة إلى اتساع رقعة انتشار التيارات الداعمة للفكر الوهابى، بدأت تظهر على السطح مجموعات جديدة، شكّلت ما بات يعرف، فى ما بعد ب«الإسلاميين الجدد». المثير أن غالبية من يندرجون تحت راية «الإسلاميين الجدد» خرجوا من عباءة تيارات إسلامية بعينها، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن مواقفهم جاءت لتقفز على قصور وإخفاقات جماعة الإخوان المسلمين نفسها، وهو ما تمثل على سبيل المثال لا الحصر، فى تبرئهم الواضح من هالة القدسية التى كانت تصنعها الجماعات التقليدية وقياداتها لمنهاجها، ومن ثَم كان تأكيد الإسلاميين الجدد شفافا لا لبس فيه، أنهم لن ينصِّبوا أنفسهم «متحدثين باسم الدين، وأن آراءهم هى مجرد أطروحات اجتهادية متاحة للنقاش والأخذ والرد، تلك الآراء التى جاءت، فى الأساس، كرد فعل لقصور وإخفاقات الإخوان». رموز إسلامية شهيرة تحتل اليوم مكانة مرموقة فى قلوب الشعوب العربية والإسلامية حول العالم هى من حملت قبل بضعة عقود لواء التجديد فى الفكر الإسلامى، وهى نفسها ما باتت تعرف برموز تيار الإسلاميين الجدد، من أمثال الشيخ يوسف القرضاوى ومحمد سليم العوا وأحمد كمال أبو المجد وعبد المنعم أبو الفتوح والمستشار طارق البشرى مصر، ونجم الدين أربكان وتلميذه النجيب رجب طيب أردوجان فى تركيا، إضافة إلى التونسى راشد الغنوشى، والقَطَرى جاسم سلطان، والسعودى سلمان العودة.. وغيرهم ممن اتفقوا، وربما دونما أن يلتقوا، على إحداث ثورة فى الذهنية الإسلامية. ومع وقوع هجمات 11 سبتمبر، طرح المحللون السياسيون مجموعة من التساؤلات، كان أهمها: ما آفاق الإسلام الإصلاحى؟ وإلى أى مدى تسمح الظروف بوجود تيارات إصلاحية معتدلة بشأن القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ تساؤلات كان الإسلاميون الجدد يقدمون إجابات محكمة عنها، عبر سعيهم نحو تجديد معنى المجتمع فى الإسلام، والوصول إلى اجتهاد يمكن من خلاله أن تسعى الدول والشعوب والثقافات حول العالم للبحث عن المشترك بهدف إحداث تقارب حضارى وتعاون ثقافى، إعلاءً لقيم العدل والسلام والحرية واحترام حقوق الإنسان، بينما كانوا يحملون نوعا من المرونة فى تفسير التراث الإسلامى على نحو يستجيب له العصر الجديد أن تبرز مرونتهم فى عديد من القضايا التى كانت تراها التيارات التقليدية المتشددة من الثوابت، ومنها ولاية المرأة، حيث أجازوا تقلدها المناصب السياسية والسيادية فى الدولة على اعتبار أن مسألة ولاية المرأة لا تنطبق على دولة المؤسسات. وفى ما يخص مسألة الحجاب، تركوا الأمور الفرعية وركزوا على الأصول، بينما تعالت الدعوات، فى ذلك الوقت، خصوصا من أسماء مثل الدكتور محمد سليم العوا وجمال البنا، إلى ضرورة وجود فقه جديد. يأتى هذا، بينما يرون أن مشروعات الخلافة الإسلامية أو الحاكمية، باتت من أدبيات الجماعات التقليدية، وأن العصر يحتاج إلى سوق عربية مشتركة ومجتمع إسلامى قوى. بينما قدم الشيخ يوسف القرضاوى تعريفا ومفهوما جديدا لتطبيق الشريعة، معتبرا أن التطبيق الناجح لها يقوم فى الأساس على إدراك المقاصد العليا، واستخدام العقل لتحقيق تلك المقاصد، قبل أن يتبنى مصطلح «تحقيق المناط»، حيث يرتبط تفسير الشريعة بالغاية التى تهدف قاعدة بعينها إلى تحقيقها، ومن ثَم قد يختلف الحكم الدينى باختلاف المكان والزمان. «فى ليلة 15 يونيو 1966، دخلتُ فى الإسلام الأصلى، الإسلام كما تلقيته من مصدره الأصلى: الوحى، لا كما صنعه التاريخ، وصنعته التقاليد»، هكذا تحدث مؤسس حركة النهضة فى تونس راشد الغنوشى عن نفسه فى مذكراته، لافتا إلى أنه وبمجرد أن تعرّف على الإسلام مجددا، اقتصر على النشاط الفكرى، تعمقًا فى دراسة الفلسفة، واستيعابا لما كتب محمد إقبال والمودودى وسيد قطب ومحمد قطب والبنا والسباعى ومالك ابن نبى والندوى، إلى جانب دروس فى الحديث والتفسير والفقه. الغنوشى يقول بوضوح أيضا «ليس صحيحا ما قيل عن انضمامى إلى الإخوان فى سوريا، كنت قد دُعيت لأكثر من تنظيم، بما فى ذلك الإخوان، ولكنى اعتذرت»، وأضاف «لقد اقتنعت ابتداء بالمنهج السلفى، ولكن لما رجعت إلى البلد أعدت النظر تدريجيا -بعد تجربة- فى ما عليه هذا المنهج، من صرامة وشكلانية ونظر جزئى أحيانا، هذا التوجه الذى لا يرقى إلى النظرة الشمولية، ولا يمكن أن يتفاعل مع بيئة وريثة لتقليد مالكى أشعرى صوفى، ولثقافة ممعنة فى الحداثة»، وعليه أسس الغنوشى، حين عاد إلى تونس، الجماعة الإسلامية ومنها خرجت حركة النهضة، ورغم كونه عضوا فى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه يؤكد أنه ليس فرعا للإخوان، ولكن حليف معها، ومن خلال رؤيته ومراجعته مواقف التيار الإسلامى ضمن مجموعة «الإسلاميون الجدد»، يبدو أنه سيقود تونس فى المرحلة المقبلة إلى عصر الإسلام الحداثى.