جمهورية باكستان الإسلامية هى إحدى أكثر الدول فسادا سياسيا فى العالم. يتناوب جنرالاتها الانقلاب على الحكومات المنتخبة حين تتهدد مصالحهم. يتحالف الجنرالات مع الأمريكان (لأن الخصام معهم سيضيع كشمير) وفى نفس الوقت مع الإسلاميين (لأن «جهادهم» ضد الهند سيعيد كشمير). والحقيقة أن التحالفين لا غرض من ورائهما سوى ضمان مصالح الجنرالات. الأمريكان يوفرون لهم الغطاء الدولى، والإسلاميون يوفرون لهم الغطاء المحلى بخطابهم المتلون سهل الاستهلاك، وكذبهم الذى يرتدى مسوح التقوى، وانتهازيتهم التى ترفع شعار المبادئ. الجنرالات انهزموا فى كل حروبهم مع الهند، والإسلاميون فشلوا فى استعادة كشمير. حتى القنبلة النووية لم تغير من الأمر شيئا. فالهند، الديمقراطية، المتباينة الأعراق واللغات والديانات، فاقت الدولة «الواضحة الهوية» بسطة فى العلم والجسم، و-على البيعة- فى الإنتاج الفنى والأدبى والثقافى، وفى القدرات الاقتصادية والتكنولوجية. للأسف، للأسف الشديد، كلما نظرت إلى باكستان رأيت مستقبل مصر إن استمر المجلس العسكرى فى سياسته الحالية، وفى استخدامه الإسلاميين متحدثين باسمه، وفى مغازلتهم بلقيمات تقيم أصلابهم. شاركوا فى فتن طائفية ولم نسمع عن المجلس العسكرى يحاسب المحرضين على العنف ولا الضالعين فيه، قطع بعضهم أذن مواطن فتدخل الحاكم العسكرى من أجل «الصلح»، رفعوا أعلام دولة أجنبية، بينما يقطعون خط القطار فما اتهمهم بتلقى أموال ولا العمل لحساب دولة أجنبية، ولا حتى اتهمهم بشىء «على الماشى» من قبيل توقيف عجلة الإنتاج أو تخويف الاستثمار. أوحى لأذناب كل نظام من الإعلاميين الذين لا يحملون ذرة احترام لأنفسهم بأن يصمتوا أيضا، وأن يباركوا مظاهراتهم بطريقة غير مباشرة (مانشيت «الأخبار» عقب مليونية الإسلاميين كان «ألف تحية للمشير.. من التحرير» هاهاهاها. تخيلوا لو أن أحدا فى مظاهرات القوى المدنية رفع صورة قاتل كما رفع الإسلاميون صورة الشيخ أسامة بن لادن، لكيف كانت حملة الدعاية الإعلامية المضادة حينئذ؟ تخيلوا لو أن القوى الوطنية دعت إلى حرق كنيسة، تخيلوا لو أنها لوحت باستخدام العنف ضد خصومها السياسيين. إذن لطنطنت الصحف «القومية» و«المستقلة بشرطة وشرطتين» وبرامج التوك شو. السياسة أحد أكثر العلوم الاجتماعية اعتمادا على التعلم من تجارب الآخرين. وتجربة باكستان موجودة، لكننا لا نقرأ (واضح من مستوى حديث بعض المسؤولين وأذنابهم أنهم لا يقرؤون)، وإن قرأنا نعتبر أننا أكثر فهلوة من أن نؤول إلى المآل الذى آل إليه آخرون. والحقيقة الحقيقة أن بعضا منا لا يكترث، بل يعتبر أن ما آلت إليه باكستان جيد جدا. العسكريون يسعون لنفوذ يشبه نفوذ العسكريين فى باكستان، والإسلاميون تبنوا تلك الدولة بالتأييد والبشارة منذ مولدها. وهذا ما كتبه المستشار صالح عشماوى فى مجلة «الدعوة» عدد 10 نوفمبر 1953، بعد أسبوع من إقرار دستور إسلامى فى باكستان: «وإنى إذ أهنئ باكستان، حكومة ونوابا وشعبا، على جهرها بالإسلام فى عزة وإيمان، وتقريرها لدستورها الإسلامى فى ثقة واطمئنان، وأحيى جهودها الرائعة فى سبيل استنباط الأوضاع الحديثة للدولة فى السياسة والاجتماع والاقتصاد من الكتاب والسنة، لأرجو من صميم قلبى أن تحذو مصر حذو باكستان فى دستورها الجديد، ففى هذا ما يبشر بعصر جديد من الحرية والإخاء والمساواة، تسعد فى الدنيا بالعدل والخير والسلام». لو لم أذكر تاريخ كتابة الفقرة السابقة، بالله عليك، أما كنت لتظن أنها كتبت الآن؟ على أى حال، الشىء الوحيد الذى يدعونى للتفاؤل هو أننى أرى جيلا مختلفا من الشباب فى مصر، مختلفا بوعيه وإدراكه وانفتاحه على العالم وسخريته من القوالب القديمة التى لا يزال عسكريون وإسلاميون يعيشون فيها. وأعول أيضا على عالم مختلف، أَدرَكَ أن مستخدمى «القتلة باسم الدين» شركاء لهم فى الجريمة، لا ينبغى الوثوق بهم ولا الرضوخ لابتزازهم. التغيرات فى المنطقة جارفة. وصدقونى، لا أتمنى أن تجرف الإسلاميين تماما كما لا أتمنى أن تجرف دعاة دولة المواطنة والمساواة. كل ما أتمناه أن تجرف الروح الاستبدادية الاستعلائية والإقصاء والفهلوة واستخفاف الناس. قولوا آمين!