«أنا برىء يا سعادة البيه.. إدبح يا زكى قدرة.. يدبح زكى قدرة.. إسلخ يا زكى قدرة.. يسلخ زكى قدرة.. هى المعلمة وإحنا صبيانها».. جملة اعتذارية مؤثرة، قالها عادل أدهم فى فيلم «حكمتك يارب». كان يبرر جرائمه بأنه مجرد يد باطشة لسناء جميل، لا يملك عصيان الأوامر، يقولها أملا فى تخفيف العقوبة أو النجاة منها. صدى صرخة عادل أدهم تردد كثيرا على ألسنة مسؤولى عهد المخلوع مبارك، ارتاح بعضهم لصورة السكرتارية المصدرة إلى الناس، فهم ليسوا إلا خدما بدرجة وزراء أو رؤساء جامعات، أو ضباط كبار، من هنا لا يملكون المعارضة. بعد السقوط كان مدخل «زكى قدرة» مناسبا للنجاة من العقاب، فمن يملك الوقوف فى وجه الطاغية ويرفض أوامر التعذيب أو تخصيص الأراضى أو تزوير الانتخابات. قال لى رئيس جامعة سابق ومسؤول كبير فى الحزب المنحل «كنت أريد أن أخدم جامعتى وأرتقى بها. كنت أتحرك فى هامش بسيط. أنفذ ما يريدون من أوامر سياسية مقابل افتتاح مشروعات علمية مفيدة. لم أستفد ماديا، ورصيدى فى البنك شاهد على ذلك. لا أستطيع حتى الآن أن أشغل ابنى». وسط هذا المناخ لمع أحمد زكى بدر، لم يكتف بدور المنفذ المطيع للأوامر، بل بادر بتنفيذها بصرامة وإخلاص، حتى لو لم يقلها له «المعلم». صعد بسرعة الصاروخ، حصل على الدكتوراه فى الهندسة عام 1997، ثم اعتلى كرسى رئاسة أكاديمية أخبار اليوم، ومنها نائبا لجامعة عين شمس، فرئيسا لها، وبعد سلسلة من الصخب والمعارك والصدامات مع أطراف عديدة، أصبح وزيرا للتعليم. رحلة استغرقت 13 عاما أو أقل قليلا. كان بدر مؤهلا بشدة لدور «زكى قدرة» بلا أدنى تردد. الفرق بينه وبين شركائه أن بدر لا يجد غضاضة فى ارتكاب ما يصفه منتقدوه بأنه جرائم، ولن يصرخ وقت السقوط بأنه مجرد «صبى». تقف أسباب عديدة وراء ظاهرة بدر، فهو ابن لوزير داخلية شرس، رأى أن شراسة أبيه كانت سببا فى الأبّهة والسيرة العطرة وسط دائرة السلطة. بل إن قطاعات عريضة فى المجتمع تتسامح أخلاقيا مع جرائم التعذيب والضرب، ما دام مرتكبها لم يتورط فى سرقة، هو نسخة من الحجاج الذى يسحل الناس ويصلى العصر جماعة. كانت داخلية حبيب العادلى -مثلا- صارمة جدا مع أى ضابط يتورط فى فساد مالى «معلن» بينما هى على استعداد لحماية القتلة منهم، لأن القتل والسحل والتعذيب مهمة مقدسة لحماية الوطن. بدر كان أيقونة لنظام مبارك. لم يضبط بفساد مالى، يبادر بالصرامة، مهووس بالأمن، وفوق ذلك كله وريث وزير فى النظام، مثله مثل حاتم الجبلى، أى شبل تربى فى حظيرة مبارك، يثبت نجاحه أن فكرة التوريث ككل ممكنة. هو طبعة مودرن من منطق أهل الثقة الذى خطه النظام الناصرى، وظل إلى الآن، تزاوج المنطق القديم مع شرعية الوراثة، مع قاعدة ثالثة هى أنه رجل المرحلة الصارم. ومثلما قدم أبوه نفسه إلى النظام كعصا قاسية، بعد تجرؤ عساكر الأمن المركزى على سلفه أحمد رشدى، ظهر الابن فى لحظة شبيهة، عقب تجرؤ المدرسين وإدارييهم على يسرى الجمل. السيرة الذاتية للابن عامرة، أدخل بلطجية إلى مقر جامعة عين شمس لقمع الطلاب المتظاهرين ضد تزوير الانتخابات الطلابية، ورفع سعر مصروفات الدراسة، اعتلى البلطجية سطح المبانى، وقذفوا الطلاب بالحجارة، ومن بقى منهم على الأرض مارس هوايته فى الضرب بالسنج والسيوف. أحاط بدر مكتبه بكاميرات للمراقبة، واستقدم لواءات من الداخلية لحمايته، محملين بأجهزة اللا سلكى. ووقت رئاسته لأكاديمية أخبار اليوم، كان يحتفظ بكرباج فى مكتبه. كنا أمام وزير داخلية مواز فى التعليم. وكنت أنا أول من أطلق عليه هذا اللقب وقت توليه المنصب. لكن جرعة الصرامة والإخلاص للقمع كانت أكثر من المحتمل، ترك أبوه المنصب بعد 3 سنوات و11 شهرا عقب صفعة على وجهه من النائب الوفدى الراحل طلعت رسلان فى البرلمان. كان لسان الأب الراحل أطول من المحتمل. أطاحت به الصفعة لأنها هزت هيبة السلطة، لكن احتفظ بتقدير فى دوائر السلطة. الابن تعرض لما تعرض له الأب، اتهم طلابا بضربه واحتجازه فى أكاديمية أخبار اليوم، فصلهم من الدراسة. اهتزت الهيبة أيضا، لكنه باق إلى الآن. الجولة الأخيرة لبدر، تنقلنا إلى دلالات وأسئلة مخيفة: هل انتقل النظام الجديد سريعا من «زكى قدرة» المطيع إلى «زكى قدرة» المبادر بالقمع؟ هل نحن بصدد المرحلة الثانية لإعادة إنتاج مبارك، وتخطينا مستوى أسامة هيكل وعصام شرف وعلى السلمى والمراسلين العسكريين إلى زكى بدر؟! من أعاد أيقونة عصر المخلوع إلى المشهد مرة أخرى؟