والله إننى لأشفق على حازم أبو إسماعيل حتى من هذا المقال الذى لا أعلم إن كان سيضاف إلى كفة حسناته أم سيئاته فى أعين مناصريه الذين يدعمونه كمرشح للرئاسة ويناوئونه فى كل مواقفه المشرفة، حتى تصاعد الأمر. ويبدو أن الضغط عليه قد بدأ فى الاشتداد، وأشفق عليه ممن هم معه فى نفس الخندق الثورى، إلا أنهم يهابون الاقتراب منه خوفا من مناصريه، وأشفق عليه منّى حين أشفق عليه، حتى لا يُستخدم كلامى بحقه فى مزيد من الضغط عليه.. طبعا، ما هو أنا بقيت من أعداء الله والإسلام والقرآن والسنة بشهادة مشايخ قناة «الناس» الذين أكاد أجزم بأن اختبارا للغباء وتبلد المشاعر وانعدام الأخلاق يتم إجراؤه لهم قبل ظهورهم على الشاشة، مما يجعلنى أتساءل: كيف مر حازم أبو إسماعيل دون أن يجروا له هذا الاختبار الذى كان سيرسب فيه ويحصل على درجات تحت الصفر! لو قلت إن حازم أبو إسماعيل رجل شريف، ثورى، نزيه، ذو بصيرة نافذة، ورؤية واضحة، وهو من «أهل الثغور» الذين لم يتركوا الميدان، ووجب على كل ذى عقل أن ينصت إليه، لتكتل عليه المحسوبون على أنصاره مستغلين ذلك فى ابتزازه: شايف يا فضيلة الشيخ؟ كلامك بقى يعجب المنافقين، والكفار، والعلمانيين، والليبراليين، والشيوعيين، والماسونيين، والروافض، والمسيحيين، واليهود، والمجوس.. (آه آه... أنا ده كله.. بس نسيوا: عبدة مذنّب هالى).. والله يا فضيلة الشيخ لقد نصرت أعداء الله على أتباع محمد... تُبْ إلى الله. وياكلوا دماغه بقى بالتأنيب والابتزاز العقائدى. هذا الابتزاز العقائدى الذى بدا أثره جليا فى التصريحات الأخيرة المتوجسة للشيخ حازم أبو إسماعيل، فالرجل صاحب مواقف لا لبس فيها، أراه الله الحق حقا، ورزقه اتّباعه، وأراه الباطل باطلا، وأنعم عليه باجتنابه، حتى الآن على الأقل. إلا إن مواقفه الحاسمة الحازمة الثورية النقية، لا تتجانس مع مواقف مجمل التيار الذى ينتمى إليه، والذى اعتمد نهج ممالأة المجلس العسكرى. أتفهم هذا النهج النابع من خوف الإسلاميين من انقلاب الجيش وانقضاضه على السلطة، فعمدوا إلى «حاجوزك هنومة يا قناوى يا ابنى» حتى يرحل عبر الانتخابات، وإن كنت أتفهم اعتمادهم هذا المنهج، فإننى لا أراه صوابا، وسوف يؤدى إلى كارثة محتومة، أول من سيدفع ثمنها هو من قادنا إليها بتشبثه بالخوف حتى سجن نفسه فى جُبنه، كمن يخاف أن تدهسه سيارة، وبدلا من أن يتحرك، يشله الخوف ليقف تماما أمام السيارة. الشيخ حازم أبو إسماعيل يرى السيارة قادمة بسرعة، ويحث أنصاره على التحرك من أمامها، لكنهم لا يتحركون، أما من يتحركون لوقف السيارة المسرعة، فهم يتشككون فيه: لا ياعم.. ده تبع المجانين اللى واقفين قدام العربية. كما لا يمكن تجاهل عاطفته تجاه من يعرفهم، وينتمى إليهم، ويقع حائرا بين ضرورة قولة الحق التى سيحاسبه عليها الديان، وبين تخوفه من أن يُتَّهم بطعن التيار الذى ينتمى إليه فى الظهر لأن تصريحاته تتسق مع من صنفوا «أعداء الله»، وليس أدل على ذلك مما قاله تعقيبا على مذبحة ماسبيرو، فهو لا يملك إلا أن يتهم المتهم الحقيقى فى الأحداث، وهو المجلس العسكرى، إلا أنه لو تحدث بالحدة اللازمة التى تتناسب والحادثة المروعة فإن فصيله سيسلخه تأنيبا بتكرار الرطانة التى يعرفها ونعرفها جميعا: وكاميليا، وشنودة، والنصارى، والأسود فى البدروم، وتقسيم مصر... وييييييى. لا يعقل أن يبذل وقته فى تفنيد هذه المخاوف، ولا يعقل أن يصمت عن مذبحة إجرامية، حتى بدا حازم أبو إسماعيل فى الفيديو الأخير، الذى كان يدعو فيه للنزول إلى ميدان التحرير فى يوم 28 أكتوبر، مختنقا، مكروبا، يشرح البديهيات بصبر شارف على النفاد «مش معقول اتنين يتخانقوا فى الطيارة على مين اللى حيقعد جنب الشباك والطيارة كلها حتقع... إزاى بعد الانتخابات كل حاجة حتبقى كويسة؟ وإزاى حيقعدوا سنة ونص كمان؟ مش فى السبع شهور اللى فاتوا دول المدنيين اتحاكموا عسكريا؟ مش اتقفلت القنوات؟ مش استدعى الإعلاميين للنيابة العسكرية؟» والراجل يا عينى ينتع فى قلبه... وفى آخر كلمته تأتيه أسئلة تكرر عليه نفس المزاعم التى بُحّ صوته فى تفنيدها. طب هو حيعمل إيه الراجل ده؟ إن كان من يتفق معه فى الرؤية والرأى يخاف أنصاره، وإن كان أنصاره يفعلون كما فعل أنصار الإمام على به حتى وصفهم بأنهم «أشباه الرجال ولا رجال». لا حول ولا قوة إلا بالله... يا شيخ حازم، لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل.