عندما كنا صغارا أخبرونا أن الصراع الرئيسى فى ذلك العالم هو الصراع بين الخير والشر.. وأخبرونا أنه مهما طال أمد ذلك الصراع العنيف فلابد للخير أن ينتصر فى النهايه.. أخبرونا بذلك عبر الكثير والكثير من حكايات الأطفال العبيطه التى تنتصر دوما لفكرة إنتصار الخير على الشر فى نهاية الحكايه.. وعبر الكثير والكثير من الأفلام الفجه التى تظهر فيها كلمة النهايه على الشاشه بينما الأبطال جميعهم تعمهم حاله بلهاء من السعاده المفاجئه والإبتسامات المبتذله.. أخبرونا أن الخير هو المنتصر فى النهايه لا محاله.. حتى وان بدت الأمور عكس ذلك.. أخبرونا بكل ذلك.. ولكنهم نسوا إخبارنا بما هو المقصود بالظبط بتلك النهايه التى سوف ينتصر فيها الخير على الشر.. هل هى نهايتنا كأفراد.. أم نهايتنا كأجيال.. أم نهايتنا كأمم.. أم نهايتنا كتجربه بشريه وكوكب؟! و لأن الله خلق لنا عقولا لندرك عبر خلاياها الأشياء والحقائق ونحللها ونفصصها.. لهذا.. واضح تماما أن الشر منذ بداية الحكايه وحتى الآن هو المنتصر.. وأن تلك المرات البسيطه التى انتصر فيها الخير على الشر كانت مجرد انتصارات مؤقته ونادره لا تلبث أن تنهزم سريعا أمام جحافل وقوات الشر التى باتت تسيطر على الكوكب تماما.. وبناء عليه فإن النهايه المقصوده والتى سوف ينتصر فيها الخير على الشر إنتصارا تاما وكاملا ونهائيا تصبح هى النهايه الأخرانيه خالص لتجربتنا البشريه الفريده ! الوصول لمثل ذلك التصور سوف يقودنا إلى تساؤل شائك ومحير حول الجدوى من حياتنا كأفراد نولد ونموت بدون أن نشهد ذلك الإنتصار الأخير للخير.. وهو التساؤل الذى سوف يقودنا بدوره إلى تلك النتيجه المفزعه والمتمثله فى أنه لا ينبغى علينا أن نتعجب من أى إنتصار لقوى الشر على قوى الخير.. لو مش علشان جتتنا اللى المفروض تكون نحست من كتر إنتصارات الشر.. يبقى على الأقل علشان ما نبقاش بنتكلم كلام مش واقعى وبعيد عن أرض الواقع الحقيقى المعاش.. ولكن هل ينبغى على من يخلص إلى تلك النتيجه المنطقيه والمفزعه فى آن أن يؤنتخ ويريح ويكبر دماغه ويرمى الدنيا ورا ضهره على أساس أنها كده كده خربانه.. والخير لن ينتصر سوى فى نهاية الحكايه خالص؟! الإجابه هى.. لأ طبعا.. فالأنتخه تخاذل والتخاذل لا يليق بكائنات مثلنا تم وضعها فى أصعب الظروف بداخل معمل الكون الكيميائى الضخم واستطاعت الإستمرار على قيد الحياه بالرغم من كل تلك الملايين من السنين الشريره التى مررنا ولا نزال نمر بها.. وقبل أن تتهموننى بالهرطشه والفلسفه الفارغه دعونى أوضح لكم الهدف الرئيسى من وراء تلك الدربكه الفكريه وهذا العبث بتابوه أن الخير هو الذى ينتصر دوما فى النهايه.. ما أقصده يا جماعه هو أننا ينبغى علينا أن نفصل بين ما يحدث بالفعل.. وبين ما الذى ينبغى علينا أن نفعله إزاء هذا الذى يحدث.. ينبغى علينا أن نسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقيه حتى نستطيع تغيير ذلك المسمى فى النهايه.. فإذا خدعنا أنفسنا فإننا لن نستطيع أن نخدع الواقع الذى نعيشه.. لهذا.. فإن الأرضيه التى ينبغى علينا أن ننطلق منها لتغيير ذلك الواقع ينبغى أن تعتمد على تلك الحقيقه..الشر هو المنتصر حتى الآن والخير لم ينتصر على الشر سوى فى قصص الأطفال وأفلام السينما فقط ! فى إنطلاقنا من تلك الأرضيه التى تعتمد على مصارحة أنفسنا بالحقيقه لكى نغيرها تكمن عبقريتنا كبشر ( لاحظوا أن كلمة بشر تحتوى بداخلها على كلمة شر ولا تحتوى على كلمة خير ).. بشر يخوضون صراعا طويلا لم يسبق لهم وأن إنتصروا فيه.. يخوضونه على الرغم من كل تلك السنين التى عاشوهافى إنتصارات دائمه للشر على الخير.. حيث الكوكب تحكمه مجموعه من الفسده والحمقى والمخادعين.. وحيث 98 % من سكان الكوكب فقراء يعملون ويكدحون من أجل إثراء ال 2% الباقين.. حيث لا يزال الإبتذال هو سيد الموقف ولا تزال القيم المشقلبه تدفع بالمبتذلين إلى صدارة المشهد بينما تزيح على جنب كل ما هو غير مبتذل.. فى حلمنا بتغيير كل تلك الشقلبه وكل هذا الشر تكمن عبقريتنا ككائنات صغنتوته وجدت نفسها فجأه على كوكب قاحل ما تعرفش عنه حاجه.. فارتكبت أشجع حماقه فى التاريخ الكونى.. وتناسلت لتستمر على قيد الحياه حتى يومنا هذا !