لا أنكر سعادتى وحماسى للرحلة التى انطلقت أمس من القاهرة إلى طهران، وتضم عددا من السينمائيين المصريين لنسف السنوات العجاف فى العلاقات المصرية- الإيرانية، إلا أن كل ذلك مرهون بأن يرفع هؤلاء السينمائيون، منذ لحظة هبوطهم بالطائرة للمطار حتى مغادرتهم، شعار الحرية ل«جعفر باناهى» و«محمد رسولوف»!! كل التجمعات والمهرجانات السينمائية تطالب بالإفراج عنهما، وفى هذه الأيام يحتفل مهرجان «سراييفو» بالمخرج الإيرانى «جعفر باناهى» الموجود رهن الاعتقال الجبرى، حيث إنه صدر بحقه حكم بالسجن 6 سنوات، والتوقف عن الإخراج أو ممارسة أى اتصال إعلامى لمدة 20 عاما أخرى، وهو نفس الحكم الصادر ضد زميله «محمد رسولوف». الاتهام أن المخرجين يقدمان أعمالا فنية انتقدت النظام القمعى فى إيران!! فى كل المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«فينسيا» و«برلين» يتعاطفون مع المخرجين المعتقلين.. المهرجانات والتجمعات الثقافية تتحدى مثل هذه القرارات، ولهذا يتم ترشيح «باناهى» و«رسولوف» لعضوية لجنة تحكيم أو رئاستها.. والقائمون على هذه التظاهرات يعلمون أنهما ممنوعان من مغادرة البلاد. ولتأكيد التحدى تعرض داخل فاعليات المهرجانات أفلامهما، مثلما حدث فى الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، حيث عرض ل «باناهى» فيلم أطلق عليه «هذا ليس فيلما» كنوع من السخرية لمن منعوه من ممارسة المهنة، بينما عرض ل«رسولوف» فيلمه «إلى اللقاء» يفضح فيه سطوة الأمن فى إيران!! الوفد المصرى الذى سافر إلى إيران يضم عددا من كبار السينمائيين، أمثال «محمد خان» و«على بدرخان». الهدف المعلن هو التعرف على سر نجاح السينما الإيرانية، وهل يحتاج الأمر السفر؟ هل أصبحت السينما الإيرانية مثل سر «شويبس» الذى ظل الراحل حسن عابدين يبحث عنه فى الإعلان الشهير، وغادر دنيانا قبل أن يكتشفه؟ أم أن السينمائى عندما يشاهد الفيلم الإيرانى يستطيع ببساطة أن يلمح تلك النظرة العميقة، التى تلتقطها عين السينمائى فتتوحد مع مشاعر الإنسان فى كل الدنيا، ثم اللغة السينمائية التى تعبر بإيجاز وتكثيف!! أدعم كل الجهود الرامية إلى عودة العلاقات الرسمية مع إيران على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولم يكن أبدا فى صالح المهرجانات المصرية أن تعلن الخصومة مع السينما الإيرانية، إلا أن قناعتى هذه لا تعنى أن أوافق على كبت الحريات الذى تمارسه إيران ضد مبدعيها، التى أدت إلى أن يتم تهريب الأفلام خارج الحدود وتصويرها بعيدا عن عين الدولة، مثلما حدث مثلا لفيلم عرض قبل عامين فى مهرجان «كان» عنوانه «قطط فارسية». عودة العلاقات مع إيران شىء، وأن لا يحرك السينمائيون المصريون ساكنا ضد ما تمارسه إيران من كبت الحريات شىء آخر.. المخرج «محسن مخلباف» مثلا واحد من أهم مخرجى إيران، وكل عائلته تمارس المهنة، وكان أحد الأصوات التى وقفت قبل أكثر من 30 عاما مؤيدة للثورة الإسلامية، إلا أنه اختلف فكريا مع النظام الإيرانى ووقف إلى جانب الإصلاحيين، فطاردوه ولم يجد أمامه سوى أن يهاجر هو وعائلته إلى فرنسا.. المخرج «عباس كيروستامى»، الحائز على السعفة الذهبية لمهرجان «كان» قبل 14 عاما عن فيلمه «طعم الكرز»، لم يتم القبض عليه، ومسموح له بالسفر إلا أنه غير مرضى عنه ويضيقون على إبداعه الخناق من خلال الرقابة!! العالم يتعاطف مع المخرجين الإيرانيين، وعدد من السينمائيين المصريين يذهبون إلى هناك للتعرف على سر السينما الإيرانية. تعرفوا كما يحلو لكم، ولكن لا تنسوا أن تطالبوا بالحرية ل«بناهى» و ««رسولوف».