تبدو الأوضاع في قصر الإليزيه، على نفس مستوى حرارة الصيف المرتفعة، إذ تستعد إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لاتخاذ سلسلة جديدة من القرارات الإصلاحية الهامة لميزانية عام 2019، والتي من شأنها أن تلمس العديد من القطاعات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية في باريس. واجتمع ماكرون مع إدارته يوم الأربعاء للمرة الأولى منذ عطلته الصيفية، لإعداد دفعة جديدة من الإصلاحات التي تتمثل في تخفيضات متوقعة لميزانية 2019، بالإضافة إلى سلسلة من التغييرات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك حسب ما ذكرت وكالة أنباء بلومبرج الأمريكية. وقالت وكالة الأنباء الأمريكية: "الرئيس الفرنسي البالغ من العمر 40 عاما، قد يواجه عقبات مع تلاشي بريقه بعد انتخابات عام 2017، وسط معدلات بطالة مرتفعة ونمو بطيء". وألمحت بلومبرج، إلى أن شعبية ماكرون، لا تزال متأثرة بالفيديو الذي نشرته صحيفة لوموند منذ أشهر لأحد حراس الرئيس الفرنسي الشخصيين، وهو يقوم بضرب المتظاهرين بشكل مبرح في الاحتجاجات التي تم تنظيمها في عيد العمال بفرنسا. اقرأ أيضًا: فوضى في فرنسا بسبب إضراب موظفي السكة الحديد ومن المتوقع أن تكون الأولويات المحددة في الموازنة المقبلة هامة بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، والذي لا يتنامى كما توقع ماكرون، خاصة وأن الإنفاق الاستهلاكي، وهو محرك الاقتصاد الفرنسي لا يزال يسير على قدم وساق مع النمو، والذي من المتوقع أن يشهد زيادة بنسبة 0.2% في الربع الثاني، متأخرا عن ألمانيا والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من التباطؤ الواضح في معدلات النمو الفرنسية تحت قيادة ماكرون، فإن الأمر الأخطر بالنسبة للرئيس هو معدل البطالة الذي لا يزال أقل بنسبة 0.2% عما كان عليه عندما تولى منصبه. ومن المقرر إجراء مناقشات بشأن الميزانية لخفض الإنفاق في مجالات الإسكان والإنفاق الاجتماعي ومجالات أخرى مع الحفاظ على التعليم والأمن والإنفاق على الدفاع، كما أنه من المتوقع أن تكشف الحكومة عن تفاصيل الميزانية العامة للدولة في 2019، خلال شهر سبتمبر المقبل، وفق ما جاء في تقرير بلومبرج. وتشمل الإصلاحات المخطط لها في الربع القادم تطوير نظام الرعاية الصحية الطارئ، والذي يعاني من خلل واضح، بالإضافة إلى ما يعرف ب"استراتيجية الفقر"، والتي تهدف لتغيير كيفية توزيع الفوائد على الأشخاص الأكثر احتياجا، كما ستشمل تلك الإصلاحات خطة مثيرة للجدل لخصم ضرائب الدخل مباشرة من شيكات الرواتب. وربما تتشابه أوضاع فرنسا مع روسيا، فكلا الجانبين بصدد إقرار منظومة جديدة تتعلق بالمعاشات، وهو الأمر الذي تضعه لحكومة في فرنسا نصب أعينها خلال الفترة المقبلة. اقرأ أيضًا: بعد 3 أشهر.. إلى أين وصلت «فضيحة» ضرب المتظاهرين في فرنسا؟ وأكد تقرير بلومبرج، أن مناقشة خطط المعاشات قد تؤدي إلى إثارة بعض الفئات ضد الحكومة بشكل رئيسي، لا سيما في الوقت الذي تسعى فيه باريس لاحتواء غضب المعارضة بعد مقطع الفيديو الذي انتشر لأحد حراس ماكرون الشخصيين وهو يقوم بضرب المتظاهرين. وعندما تولى ماكرون منصبه قبل 15 شهرًا، بدأ في إقامة إصلاحات مثل قواعد العمل الأكثر مرونة، والالتزامات الصارمة المتعلقة باستحقاقات البطالة، وتطوير المنظمة الوطنية للسكك الحديدية، ونظام ضرائب جديد، غير أن التحدي الأبرز للرئيس الفرنسي لا يزال يتمثل في واقعة تعدي حارسه الشخصي على المتظاهرين. قضية السكك الحديدية تعد واحدة من أهم الملفات التي شهدت احتجاجات واسعة ضد ماكرون خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث قالت إليزابيث بورن وزيرة النقل الفرنسية، في تصريحات لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش" نقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية: "يريد ماكرون تحويل الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية المثقلة بالديون إلى شركة تحقق أرباحا، وتقول الاتحادات إنه يمهد الطريق أمام خصخصتها، وإذا انتصر ماكرون على الاتحادات العمالية فسيحدد ذلك الإيقاع بالنسبة لخطط الإصلاح الرئيسية الأخرى ومن بينها إصلاح نظام التعليم والمعاشات". ويقابل العمال الخطط التي وضعها ماكرون بحالة من الخوف الواضح، حيث يخشى عمال الشركة من أن يفقدوا ضمانات الوظيفة مدى الحياة والزيادة السنوية التلقائية وسياسة المعاش المبكر السخية. اقرأ أيضًا: طمعًا في ثروات ليبيا.. إيطاليا تعلن حربًا كلامية على فرنسا وبشكل عام يعي ماكرون، تمامًا أن هناك مشكلات ستواجهه بشكل مكثف كلما مضى في خطط الإصلاح، وهو ما أكده خلال زيارته لرومانيا قبل عام كامل، حيث أكد هناك أن "الفرنسيين لا يحبون الإصلاح"، الأمر الذي يشير إلى عزم الرئيس الفرنسي الاستعداد لخوض مزيد من الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلاده، حال إصرار على موقفه بشأن الإصلاحات المختلفة.