وقَعت الولاياتالمتحدة خلال العقود الماضية العديد من العقوبات الاقتصادية على روسياوإيران وفنزويلا، وغيرها من دول العالم وطالت مؤخرًا تركيا، والتي تعد واحدة من أهم حلفائها، والعضو في حلف الناتو. قائمة القعوبات المطولة، دفعت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إلى وصف اعتماد واشنطن على العقوبات، كأداة في السياسة الخارجية ب"الإدمان". وأضافت أنه من الواضح أن الفشل في تغيير سلوك أكثر دول العالم ضعفًا، تسببب في إحباط من هم على رأس قيادة الولاياتالمتحدة التي تعد القوة العظمى الوحيدة في العالم. وهو ما يقود بدوره للبحث عن طرق للتغطية على هذا الفشل، وطمأنة الأمريكيين بخصوص استمرار بلادهم كقوة مهيمنة عالمية دائمة، حيث أشارت المجلة الأمريكية إلى أن العقوبات الاقتصادية، تناسب هذا الغرض تمامًا، لعدة أسباب: أولًا، لأنه يمكن تسويقها للناخبين كبديل للحرب، وهو ما قد يساعد القائمين على الحكم في البلاد، في تشويه صورة معارضي العقوبات، بتصويرهم على أنهم دعاة حرب أو دعاة سلام، اعتمادًا على موقفهم السياسي. ثانيًا، بما أنه لم تتم مناقشة أي مقاييس نجاح أو فشل للعقوبات الأمريكية، فإن نجاح هذه العقوبات يعد أمرًا نسبيًا بشكل كبير، وبهذه الطريقة يمكن أن يُعزي أي شيء يحدث للعقوبات، كما أنها توفر للسياسيين الفرصة المثلى للهروب من عالم المفاوضات الدبلوماسية الحقيقية، إلا أنه يتسم بالملل. اقرأ المزيد: لماذا ستفشل العقوبات الأمريكية على إيران في تحقيق أهدافها؟ المجلة الأمريكية حاولت توضيح فكرتها بالإشارة إلى النموذج الأوكراني، حيث اتخذت "كييف" مجموعة من القرارات في محاولة لدعم مشروعها المعروف باسم "الخيار الحضاري"، ومعاقبة روسيا للاستيلاء على شبه جزيرة القرم. حيث توقفت أوكرانيا عن شراء الغاز الطبيعي من روسيا، وعلقَت خدمات الدفع والبنوك الروسية، وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي الروسية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أغلقت أوكرانيا القنوات التلفزيونية والمواقع التجارية الروسية، وحظرت استيراد الكتب الروسية، وتعليق رحلات شركات الطيران التجارية، كما أنها تنظر الآن في إنهاء جميع رحلات السكك الحديدية إلى روسيا. لكن على أرض الواقع، ما زالت كل هذه الخدمات مستمرة، لأن هناك طلب كبير عليها في أوكرانيا، حيث لم تسهم هذه العقوبات إلا في زيادة تكلفتها بالنسبة للأوكرانيين. وعلى الرغم من كل هذا، إلا أن روسيا ما تزال من أكبر المستثمرين في أوكرانيا، حيث احتلت المركز الثالث في العام الماضي، بعد قبرص وهولندا، بحسب المجلة. اقرأ المزيد: هل تحقق العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية أهدافها؟ ولأن أوكرانيا ترفض الدخول في أي تجارة عادية مع جارتها الكبرى، فإن الأموال بدأت في النفاد من الحكومة الأوكرانية، حيث لا تمتلك البلاد سوى 5% فقط لتمويل مدفوعات الحساب الجاري التراكمي، مقارنة بالعام الماضي. ومن الواضح أن اقتصاد الولاياتالمتحدة لا يعتمد على روسيا مثل أوكرانيا، لكن حتى هذه الحقيقة البديهية قد تكون غير صحيحة بشكل كامل، وفقا للمجلة الأمريكية. فعلى الرغم من أن أمريكا أكثر ثراءًا من أوكرانيا، ولن تنفذ منها الأموال بأي حال من الأحوال، إلا أنه على الأمريكيين استيعاب فكرة أنهم يعيشون في عالم مترابط. ويمكن أن يظهر تأثير ما تفعله دولة ما في الشرق الأوسط في أوروبا الشرقية أو القطب الشمالي أو حتى في الفضاء الإلكتروني أو الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأمريكيين النظر في الأرباح المحتملة التي خسرتها الشركات الأمريكية، بسبب عدم الاستثمار في روسيا خلال العقد الذي كانت تحقق فيه أرباح أكثر من الصين، وكان سوق الأسهم فيها هو الأكثر سخونة في العالم. وتؤكد المجلة الأمريكية، أن العقوبات التي توقعها الولاياتالمتحدة على دول العالم، كان لها دور كبير في وصول العجز بميزانيتها إلى 21 تريليون دولار أمريكي. اقرأ المزيد: هل تؤثر العقوبات الأمريكية على بوتين فعلًا؟ وأنهت "ناشيونال إنترست" تقريرها، بإعادة صياغة مقولة شهيرة، تقول: إنه "عندما تسير في طريق العقوبات، يجب عليك حفر قبرين، واحد لاقتصاد عدوك، والآخر لاقتصاد بلادك".