تقرير نهائي حصلت "التحرير" على نسخة منه، أصدرته لجنة الرصد والتقييم الإعلامي التابعة لالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، اليوم الأربعاء، حول أداء الشاشات في شهر رمضان المعظم 2018، حيث ذكرت اللجنة أنها تابعت الفضائيات بما احتوته من أعمال درامية وما تم بثه من إعلانات وبرامج متنوعة، ورصدت 345 مخالفة للمعايير في نحو 10 آلاف مشهد تضمنها 16 مسلسلًا بنسبة حوالي 3% من إجمالي المشاهد، إلا أننا بدورنا لنا عدة ملاحظات على التقرير. التقرير يُشير إلى أن عمل اللجنة اقتصر على متابعة مدى التزام الشاشات بالمعايير المهنية الإعلامية التي أصدرها الأعلى للإعلام، ولم يتطرق عملها للنواحي الفنية الإبداعية، في حين أنه نافى نفسه وتضمن عدة ملاحظات حول نواح إبداعية، فرأت اللجنة مثلًا أن "هناك غيابًا إبداعيًا عن تناول قضايا الشهداء وبطولاتهم باعتبارها أحد أهم قضايا وجود الوطن وتقدم القدوة والنموذج للنشء والشباب". كما رأت أيضًا أن برنامج "ورطة إنسانية"، والذي عرضته قنوات DMC، ناقش بشكل جديد متميز السلبيات في المجتمع، ووصفته ب"أحد الأعمال الإبداعية"، ورصدت اللجنة أن "بعض الإعلانات هذا العام احتوت على أعمال إبداعية راقية قدّمت النموذج والأمل والبهجة".. كل تلك الرؤى المتعلقة بالنواحي الفنية الإبداعية للأعمال، وغيرها، رصدتها اللجنة، ورغم ذلك بدأت التقرير بأنها لم تطرق إلى تلك النواحي، وأن التقرير يُعبر عن مدى التزام الشاشات بالمعايير المهنية الإعلامية التي أصدرها المجلس. اللجنة تُشير في التقرير إلى أنها تابعت "16 مسلسلًا"، ولا نعلم إذا ما كانت تابعت بقية الأعمال التي تصل إلى 25 عملًا أم لا، وإذا كانت تابعت فلماذا لم يتطرق التقرير إليها؟ وإذا كانت لم تُتابع فلماذا؟ أليس مخولا لها متابعة كل ما يُعرض على الشاشات لرصد المخالفات أم أعمال وترك أخرى؟ اللافت للانتباه أن ال16 مسلسلًا كان محور رصد التقارير السابقة أيضًا (اطلع من هنا على التقرير الأول). التقرير خص بالإشادة مسلسلي "كلبش 2 – نسر الصعيد" دون غيرهما من الأعمال التي وصفها بأنها ناقشت قضايا المجتمع ومشاكله، وأوضح أن سبب ذلك هو أن العملين سلطا الضوء على بطولات الجنود والضباط الذين يواجهون الإرهاب ورصد معاناة أسرهم، كما أكدت اللجنة حاجة الشاشات إلى المزيد من هذه الأعمال، خاصة أنها تحظى بأعلى نسب المشاهدة. نتفهم حرص اللجنة على الإشادة بهذين العملين تحديدًا، إلا أن المفارقة في أن نفس اللجنة أصدرت تقريرًا منتصف رمضان، وعنونته طبقًا لموقع المجلس ب"دراما رمضان تعمدت دهس القانون وشوهت صورة رجل الشرطة وأهانت المرأة"، (يمكنك مطالعة التقرير من هنا)، انتقدت فيهما الشكل الذي يظهران به ضابط الشرطة.. والسؤال هنا: هل من تعليق يوضح لنا أيها الأعزاء باللجنة؟ وفضلًا عن كل ذلك، ألا ترى اللجنة أن هناك تعارضًا بين الانتقاد سابقا والإشادة حاليا؟ تقرير اللجنة النهائي تضمن أيضًا الإشارة إلى "رصد انخفاض ملحوظ في المشاهد التي تُمثل إهانة للمرأة المصرية عن الأعمال التي تم بثها العام الماضي".. عزيزي القارئ الق نظرة مرة أخرى على عنوان تقرير منتصف رمضان والذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة وليس لدينا مانع مطلقًا من أن نذكره مجددًا "دراما رمضان تعمدت دهس القانون وشوهت صورة رجل الشرطة وأهانت المرأة".. نعلم أن عنوانه وحده يكفي لتوضيح ما نرمي إليه.. تقرير منتصف رمضان تضمن نصًا: "لاحظت لجنة الدراما شيوع عملية تسليع المرأة باعتبارها مجرد أداة للجنس ولإمتاع الرجل، وليست كمخلوق يتساوى مع الباقين في الحقوق والواجبات، وهو أمر أصبح متجذرًا في عقول المؤلفين والمنتجين مما يعود بنا إلى صورة المرأة من المفهوم المتخلف الشائع عنه"! اللجنة ذكرت أنها "لاحظت أن هناك عملًا دراميًا تعمد الإساءة في حوارات أبطاله للمعاقين بشكل واضح وصريح وبألفاظ وعبارات متدنية تحمل الكراهية وتدعو للعنف ولا تليق بالعرض على المشاهدين بالمخالفة لمواثيق الأممالمتحدة والمعايير التي أصدرها المجلس في هذا الشأن".. إلا أن البيان لم يتطرق لذكر اسم العمل، ولا نعلم سر ذلك. التقرير أشار إلى أن "اللجنة تابعت ما أُثير من جانب حكومة السودان الشقيق حول وجود مشهد في أحد المسلسلات يُسيء للخرطوم ويتضمن سيارة تحمل لوحات معدنية سودانية تساعد الإرهابيين في أعمالهم، وتبين أن المشهد المذكور لا يُشير من قريب أو من بعيد إلى دولة السودان كما أن اللوحات المعدنية للسيارة لا علاقة لها باللوحات السودانية وباقي مشاهد المسلسل لا تتضمن أية إهانات لا تصريحًا ولا تلميحًا".. هذه النقطة بالتحديد سبق وأوضحها في بيانين نشرهما موقعه، بتاريخي 20 مايو، و5 يونيو، (يمكنك مطالعتهما عبر موقع المجلس من هنا و هنا)، ولا نعرف ما الداعي لذكرها مجددًا في التقرير النهائي حول ما عرضته الشاشات في رمضان، كما لا نعرف سر عدم ذكر اسم العمل صراحةً في التقرير، وهو مسلسل "أبو عمر المصري". لجنة الرصد أشارت أيضًا إلى أن "معظم المسلسلات هذا العام تضمنت مشاهدًا للتدخين وتعاطي المخدرات والخمور، ورغم أن أغلبها يأتي في سياق الدراما إلا أن بعض هذه المشاهد تمثل مخالفات صارخة تستوجب المساءلة".. أليس المجلس هو المخول له مساءلة القنوات المخالفة؟ لماذا لم يُساءل؟ وما طرق وأوجه المساءلة؟ وأين كانت أدوات المجلس لمنع عرض أو حتى تقليل هذه المخالفات والتي وصفها ب"الصارخة"؟ اللجنة اعتبرت أن "أسوأ ما تم عرضه في شاشات رمضان هذا العام هو مشهد قيام الأم بغسل جثة ابنتها في مسلسل (ضد مجهول)، حيث جاء المشهد صادمًا للمشاهدين خاصةً مع تصويره بشكل بطيء ولعدة دقائق".. رغم أن مسلسل "فوق السحاب" تضمن نفس المشهد حينما كان يُغسل الفنان هاني سلامة "ماندو" شقيقه توني ماهر "كاريكا"، يمكنك عزيزي القارئ مشاهدته من هنا. كما أشرنا من قبل في مقالنا حول تقرير المجلس الأول حول دراما رمضان، (يمكنك مطالعته من هنا) أنه يبدو أن تقارير لجنة الرصد لا تصدر عن متخصصين على دراية بصناعة الفن، وأن ما نرصده ليس هو نقدًا للمجلس بقدر ما هو محاولة للفهم.