قال مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، إن الشرع الشريف يقوم على مراعاة التيسير ورفع الحرج وإزالة الضرر عن المكلفين، وهذا ظاهر مبثوث في عموم المقاصد والأدلة والأحكام، حتى أصبح الاعتدال سمة ملازمة للمسلم ومكون من مكونات شخصيته. وأضاف علام، خلال الحوار اليومي الرمضاني في برنامج "مع المفتي"، اليوم الأحد، أن التيسير يمثل أساس ولب الإسلام فهو منطقة وسطى، وكل من يرفضها يكون عرضة للوقوع في التساهل أو التشدد، والرافض للتيسير يكون قطعا من الرافضين للمذهبية الفقهية، لافتا إلى أن المذهبية الفقهية استطاعت عبر العصور أن تحتوي الجميع، وأن تصبغهم بصبغتها الوسطية الرافعة للحرج عن الأمة الآخذة بيدها نحو كل ما هو يسير وسهل، بفضل مسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلت لنا عن طريق الصحابة ثم التابعين في انسياب تام وتعاون ملموس. وذكر أن المسيرة الفقهية لأصحاب المذاهب حلقات متصلة، إذ أن الفصل الدقيق لا يكون مفيدا إلا ببيان المنهجيات المميزة لكل مذهب، فمن المعروف أن بعض أصحاب هذه المذاهب قد تتلمذ على يد غيره، بل منهم من تتلمذ على يد الصحابة كأبي حنيفة في بعض الروايات التي ذكرت ذلك، ولهذا عده بعض المؤرخين من التابعين. وأشار مفتي الجمهورية إلى حياة الإمام الشافعي العلمية تلميذا وعالما والتي تدعو للانبهار، فقد كانت رحلته في تعلم وتعليم العلم رحلة طويلة ومثمرة تاركا بصمة ظاهرة وواضحة في كل مكان وصل إليه، وكان مرجعا لعلوم العربية فضلا عن الفقه، متابعا أن الإمام مالك بن أنس لا يختلف في مسيرته العلمية عن باق العلماء، فقد نشأ بالمدينة ولم ينتقل منها إلا حاجا لبيت الله الحرام، وأُخذ عنه الكثير ورويت عنه المدونة والموطأ وهما عماد المذهب المالكي، ثم أتى بعده الأتباع مقدمين خدمة كبيرة للمذهب بالشروح والمختصرات، وهذا واضح من التعليقات الثرية الموجودة على نسخ المخطوطات المحفوظة لمختصر المدونة في مكتبة البلدية التابعة لمكتبة الإسكندرية، ومخطوطة مكتبة الأزهر، ومن ثم نشأ عن هذا الثراء العلمي مدارس متعددة كالمدرسة المصرية، العراقية، المغربية والأندلسية وغيرها، فضلًا عن فروع هذه المدارس. وأوضح المفتي أن من ثراء التراث العلمي أن يختلف أتباع المذهب مع صاحب المذهب، وهو أمر طبيعي ليس مبتدعا ويدل على سعة الأفق والاجتهاد والسعي لتحقيق مراد الله من التيسير وليس لغرض التشهي أو حب الظهور، مستعرضا عدة نماذج لاجتهاد الصحابة والعلماء وبيان مدى اهتمام العلماء بذلك، ومنها اجتهاد وانفراد سيدنا ابن عباس رضى الله عنه في بعض المسائل عن بقية الصحابة، كما في مسألة العول في المواريث، ولم يفصح عن اجتهاده هذا إلا بعد اكتمال الدليل وانقداحه عنده مقدما نموذجا مبهرا في الاجتهاد. وقال: "نحن أمام تطور فكري كبير لا يمنع أي متخصص مجتهد أن يقول برأيه المبني على مقدمات صحيحة، إذ يعد النقاش الفقهي الموجود في كتب الفقه المقارن غذاء للعقل الفقهي، وكل من يقلل من شأنه يعجز عن تقديم ما قدمه أتباع هذه المدارس الفقهية".