عرفت الغزوات قديما بأبطالها من الرجال ممن دافعوا عن الإسلام والمسلمين، وتصدوا للأذى الذي كانت تلحقه قريش بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الدور العظيم لم يقتصر فقط على الرجال بل قامت به سيدات لا يعلم أحد عنهن شيئا، ومنهن الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب، التي ربما لم يسمع الكثيرون باسمها من قبل. من هي نسيبة بنت كعب؟ هي أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية الأنصارية، من قبيلة الخزرج، كانت من أوائل من دخلوا الإسلام، وتنتمي إلى بني النجار أخوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم. تزوجت من زيد بن عاصم الأنصاري قبل الإسلام، وهو من الصحابة وشهد بيعة العقبة، وغزوتي بدر وأحد. حازت أم عمارة على العديد من خصال الشرف فهي من الصحابيات الجليلات، وكانت مجاهدة ومثابرة، وقدوة حسنة لما عرف عنها من التضحية وحبها للإسلام والمسلمين، ومن أوائل من دخلوا في الإسلام، ومن رواة أحاديث النبي، وأم مثالية لأبنائها. وصفها الإمام أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" فقال: "أم عمارة المبايعة بالعقبة، كانت ذات جد واجتهاد، وصوم ونسك واعتماد". وكان أخوها عبد الرحمن من البكائين السبعة، وكانت سبب تسميتهم بهذا الاسم أنهم جاءوا إلى النبي في غزوة تبوك وطلبوا رواحل يركبوها للخروج معه للجهاد في سبيل الله، فلم يجدوا، فعادوا وأعينهم تفيض بالدمع حزنا، ونزل فيهم قول الله تعالى "وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ ِلتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُون". وابنها حبيب هو الذي قطعه مسيلمة الكذاب عضواً عضواً، عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في قومه بني حنيفة في اليمامة، فكان يسأله مسيلمة أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال حبيب: نعم، وإذا سأله: تشهد أني رسول الله؟ قال: أنا لا أسمع، ففعل ذلك مرارا، فقطعه مسيلمة عضوا عضوا، ومات شهيدا، فأقسمت نسيبة لتنتقمن منه، وقالت: "لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته"، وابنها عبد الله بن زيد هو الذي روى كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعدما سألت النبي محمدا حول سبب ذكر الرجل بكل شيء وعدم ذكر النساء بشيء أنزل الله قوله تعالى: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا". قاتلت في الغزوات وقطعت يداها شهدت بيعة العقبة مع زوجها وابنيها وأختها، ويقول ابن حجر تحدثت أم عمارة عن صفة بيعتها فتقول: "كانت الرجال تصفق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، والعباس عم النبي آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بقيت أنا وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي السلمية نادى زوجي غزية بن عمرو: يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك فقال قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه، إني لا أصافح النساء". شاركت في غزوة أحد مع زوجها وابنيها، من أجل سقاية الجرحى وعلاجهم، وعندما اشتدت المعركة ضد المسلمين قاتلت هي وزوجها وأبناؤها دفاعا عن النبي محمد، فجرحت ثلاثة عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف. وبعد فتح مكة خرج النبي لقتال هوازن بعد أن جمعت لقتاله، والتقيا في حنين، ولكن جيش المسلمين بدأ في الفرار بسبب وقوعهم في الكمين الذي نصبته لهم هوازن، فوقفت أم عمارة وفي يدها سيف تصيح "أية عادة هذه؟ ما لكم وللفرار" وبدأت تقاتل حتى عاد المسلمون للقتال. وحتى تأخذ ثأر ابنها طلبت من أبي بكر الصديق أن يسمح لها بالخروج مع من خرجوا لقتال مسيلمة الكذاب في معركة اليمامة، وكان عمرها في ذلك الوقت ستين عاما، فأوصى أبو بكر خالد بن الوليد عليها، وسمح لها بالخروج، فخرجت هي وابنها عبد الله بن زيد، وأصيبت بأحد عشر جرحا، وقطعت يدها. توفيت بعد عام من قطع يدها ودفنت في البقيع بعد مرور ما يقرب من عام على معركة اليمامة التي قطعت فيها يدها توفيت نسيبة بنت كعب في خلافة عمر بن الخطاب عام 13 هجرية، ودفنت في البقيع، لتنتهي حياتها التي كانت مليئة بالمواقف الرائعة، والعطاء، والإيمان.