وداد حمدي.. "خادمة" السينما المصرية، الوجه الضاحك المُضحك خفيف الظل ذو الصوت العالي المتميز الرنان، التي آمنت بأن الفن للفن، وليس لغير ذلك، فقدّمت ما يقرب من 600 عمل فني متنوع، ما بين سينما وتليفزيون ومسرح، وامتدت مسيرتها الفنية من الأربعينيات حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حصرها المخرجون في أدوار "الخدامة" و"ربة المنزل" و"مرسال العاشقين"، حتى رحلت في نهاية مأساوية أثارت جدلًا واسعًا بقتلها بعدة طعنات على يد الريجسير "متى باسليوس"، طمعًا في مالها، رغم استعطافها له. النشأة هي وداد محمد عيسوي زرارة، المولودة في يوم 3 يوليو لعام 1924 بمحافظة كفر الشيخ، لأسرة ميسورة الحال ذات أصول كردية، وكانت الأخت الكبري لأشقائها الخمسة، تعرض والدها لخسائر مادية أبدلت حال الأسرة، فلم يكن أمامها سوى السفر للقاهرة والبحث عن عمل، واستقبلها بيت عمها في السيدة زينب، فمكثت معهم. بداية المشوار حلم "الوداد" أن تصبح مطربة وتنافس كبار المطربات، وفي عام 1942 شكّل زكي طليمات لجنة لاختيار فريق عمل أوبريت "شهرزاد"، وتقدّمت للاختبارات ونجحت بالفعل، وبدأت مشاركة فريق العمل بروفات الأوبريت، وكانت بطلة العمل الفنانة عقيلة راتب، واحدة من أهم نجمات المسرح في ذلك الوقت، لكنها مرضت أثناء البروفات، فرأى "طليمات" أنه لا مفر من تأجيل العرض، لكن "وداد"عرضت عليه تقديم الدور بدلًا من "عقيلة"، لكنه رفض بدعوى أنها لن تستطع فعل ذلك، لكنها أصّرت وازدادت إلحاحًا، فقرر اختبارها في دور البطلة، وفوجئ بقدرتها على أدائه وحفظها للدور بشكل جيد، فوافق على تقديمها الدور، وبعد نجاحها في الأداء الغنائي، طلبت منه العمل كممثلة، ومن هنا بدأت الاشتراك في عدد من المسرحيات، ثم انضمت إلى فرقة الطليعة عند تأسيسها، وقدّمت معهم أعمالًا مسرحية، وظلّت بالفرقة لمدة 6 سنوات. أول أدوارها السينمائية كان من خلال فيلم "هذا جناه أبي"، عام 1945، من إخراج هنري بركات، وبطولة زكي رستم وصباح، وفي عام 1946 عرض عليها المخرج فطين عبد الوهاب المشاركة بصوتها فقط في فيلم "الخمسة جنيه"، فوافقت وقدّمت دور صوت ورقة الخمسة جنيه، بصوتها فقط دون صورة، وجسّدت شخصية الراوي الرئيسي للأحداث في العمل، وعندما أعاد زكي طليمات افتتاح معهد التمثيل عام 1952، قال إن من تلتحق بالمعهد من الفتيات سيعينها فيه، فالتحقت بالمعهد مع أول دفعة، وكانت تضم فاتن حمامة وسميحة أيوب، لكنها لم تستمر سوى عامين. بعد عملها بالفن قررت "وداد" ترك بيت عمها لظروف عملها التي تتوجب رجوعها في أوقات متأخرة، واستأجرت غرفة بعقار بمنطقة شبرا، واستقدمت أهلها للعيش معها، وكانت معروفة بالطيبة والالتزام بين زملائها، وذكرت مجلة "الكواكب" في 4 مايو 1954، أنه أثناء تصوير فيلم "الإيمان"، عام 1952، في نهار رمضان، رفضت "وداد" الإفطار أثناء التصوير مثل بقية زملائها، وكانت تصور المشاهد الخارجية في الحر، ودائمًا ما كانت تشعر بالتعب الشديد، ورغم ذلك رفضت طلب المخرج أحمد بدرخان الذي حاول إقناعها بالفطار. خادمة السينما المصرية حصرها المنتجون والمخرجون في دور "الخادمة"، وبرعت في تجسيد هذه الشخصية، وتقديمها بأشكال مختلفة بعد أن قدّمتها لأول مرة في مسرحية "أم رتيبة"، من تأليف يوسف السباعي، وقالت في حوار صحفي نادر لها: "أحب دور الخادمة، ما دام يعجب الجمهور، اختاروه لي لأنه يحتاج إلى خفة دم، ولأن المنديل يليق بوجهي، ومع ذلك فقد مثلت أدوارًا أخرى مثل عاملة في مصنع، وتلميذة، وبنت ذوات، ومحدثة نعمة، ومثلت روايات عالمية في مسرح الطليعة، كما مثلت في مسرحية فاوست لجوتة ومسرحية تحت الرماد". "وداد" عملت مع عدد كبير من النجوم، وشاركتهم العديد من الأفلام، ففي فترة الأربعينيات قدّمت حوالي 10 أفلام، وفي الخمسينيات قدّمت حوالي سبعين فيلمًا سينمائيًا، وفي الستينيات قدّمت 16 عملًا فنيًا، كان أهمهم "إشاعة حُب" عام 1961، "المصيدة" 1963، و"عنتر بن شداد" 1960، إلا أنها قررت الاعتزال، عقب طلاقها، وقررت العزلة، لكن الفنانة وردة الجزائرية استطاعت إخراجها من عزلتها، حين طلبتها لتشاركها مسرحية "تمر حنة"، وما كان على "وداد" إلا القبول والعودة للفن مرة أخرى. وفي فترة السبعينيات قدّمت حوالي عشرة أفلام منهم "فيلم الأزواج الشياطين، أفواه وأرانب، على من نطلق الرصاص، في الصيف لازم نحب، ونساء الليل"، وعقب ذلك بدأت بعد ذلك الأعمال المعروضة عليها تقل، نظرًا لأدوار كانت في هذا الوقت غير مطلوبة، وبرغم ذلك قدّمت في فترتي الثمانينيات والتسعينيات فوق 15 فيلمًا سينمائيًا، منها: "اللي رقصوا على السلم، تمت أقواله، الراقصة والحانوتي، الفرقة 12، يا عزيزي كلنا لصوص"، وتصل أعمالها إلى 600 عمل فني متنوع، ما بين سينما وتليفزيون ومسرح، وقدّمت الأعمال بمساحات متفاوتة، لم تتكبر علي دور صغير أو عمل به فنانون شباب، ولذلك حققت شهرة واسعة. الزواج تزوجت "وداد" أربع مرات، المرة الأولى كانت من زوجها الأول مدير التصوير عبد العزيز فهمي، لكنها انفصلت عنه بعد فترة، والثانية كانت من الموسيقار محمد الموجي، ثم انفصلت عنه، وبعد فترة تزوجت الفنان محمد الطوخي، ولم يستمر زواجهما طويلًا، وهي تلك الفترة التي اعتزلت عقبها، ثم وقتها تزوجت من الفنان صلاح قابيل، وهو الوحيد الذي أنجبت منه ابنها "عمرو". نهاية مأسوية "وداد" حياة هادئة، كانت لا تفارقها الابتسامة، حنان وعطف على كل من حولها، سخية للمحتاجين وللعمال الصغار في الاستوديو الفني، لكن ذلك جاء ضدها عندما أقدم الريجسير "متى باسليوس" بطعنها بسكين طمعًا في مالها مستغلًا وجودها بمفردها في بيتها، ورحلت عن عالم الفن والنجومية بطريقة مأساوية يوم 26 من شهر مارس لعام 1994. قال "متى" في التحقيقات، إنه كان فتح مشروعًا لبيع الأسماك لكنه فشل، واستدان من كثيرين، وكان يهرب من الدائنين، فحاول تدبير المبلغ، وفكر أول الأمر في الفنانة يسرا، وبالفعل ذهب إلى منزلها، لكن البواب منعه من مقابلتها، فأرسل لها خطابًا يستدر به عطفها، وأعطاه للبواب الذي ذهب ثم عاد ليقول له إنها نائمة، ومن هنا قرر قتل أي فنان والحصول على أمواله، وفكر في قتل الفنان أحمد زكي، لكن لم يستطع مقابلته بفندق كان يسكن فيه، خوفًا من اكتشاف الأمن السكين، ثم فكر في قتل شريهان، لكن الأمن كان منتشرًا بشكل كبير أمام عمارتها، ثم قرر الاستعانة بالفنان هشام سليم لمساعدته، لكنه لم يجده في منزله، فتوصل في النهاية إلى قتل "وداد". اتصل "متى" ب"وداد" وأخبرها أن لديه دورا يناسبها، فحددت له موعدًا، لكنه راجع نفسه، وقرر عدم قتلها، لكن الديون اشتدت عليه، فقرر الاتصال بها ثانية، وتحديد موعد آخر، وذهب إليها بالفعل، واستقبلته وأحضرت إليه عصير الليمون، واستأذنها الدخول للحمام، ثم ذهبت لإحضار "فوطة" له من غرفة النوم، فوجدته وراءها يرفع عليها سكينًا محاولًا قتلها، وحين رأت السكين قالت له: "إحنا هنهزّر؟ بلاش لعب عيال"، لكن نظرات الشر في عيونه جمدّت الدم في عروقها، فتوسلت إليه أن يتركها وخلعت له ساعتها وقدّمت له نقودها، لكنه أزاح النقود جانبّا، وقرر قتلها حتى لا تعترف عليه، فطعنها في ظهرها، وسقطت أرضًا، وبعد مقتلها، لم يجد معها أموالًا سوى 270 جنيهًا، وعثر على "كاسيت" صغير، باعه فيما بعد ب50 جنيهًا، وجاءت لحظة محاكمته فاصلة في القضية عندما اعترف بقتلها وطعنها 35 طعنة في العنق والظهر والصدر من أجل المال، وتمت إدانته والحكم عليه بالإعدام شنقًا.