كلما تعالت الأصوات بضرورة القضاء على ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعية، تتجه لجنة الإسكان بالبرلمان إلى طرح ملف الأحوزة العمرانية كحل لإنقاذ مصر من العشوائيات وتقلّص الرقعة الزراعية، وهو ما انتقده خبراء التخطيط العمراني وخبراء المحليات، الذين أكدوا أن تعليق القضية على الأحوزة العمرانية نتيجته ستكون إخلاء مسئولية الأجهزة الإدارية التي تقاعست عن دورها الرقابي خلال السنوات الماضية وأن الأحوزة العمرانية لن تحل الأزمة. الدكتور محمد إبراهيم جبر أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس قال ل"التحرير" إن الحديث في البرلمان حول غياب الأحوزة العمرانية غير صحيح، فهناك مخططات وأحوزة عمرانية منذ عام 2005، وتم وضع تصورات من جانب كثير من أساتذة التخطيط في مصر، وكان من المفترض أن تغطي مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية للفترة التي نعيشها الآن حيث كانت تشمل توضيحًا للرقعة الزراعية والخدمات والمشروعات الخاصة بكل قرية، لافتا إلى أن الأحوزة العمرانية لن تنجح في القضاء على ظاهرة العشوائيات والتعدي على الرقعة الزراعية، لأن طموحات السكان في سكن لأبنائهم لن تنتهي إلا بالخروج من الحيز العمراني الضيق إلى المدن الجديدة قائلا: "الأحوزة دون وفاء بطموحات السكان سجنٌ مقنن". وأضاف جبر أن الأسرة تمتد وتحتاج إلى توفير سكن ولكن النطاق العمراني ضيق للغاية ويضطر المواطن للتعدي على الأراضي الزراعية، إلى جانب مافيا الأراضي الذين يستغلون الأرض الزراعية في التربح، لافتا إلى أن الأحوزة العمرانية تحاول تضييق النطاق العمراني للمواطنين مما يدفعهم للانفلات عن السياق من خلال التعدي على الرقعة الزراعية، لذا لا بد من إيجاد حلول تساعد المواطن على الخروج من الحيز الضيق إلى المدن الجديدة في الصحراء، موضحا أن الهدف من الأحوزة العمرانية هو توفير خدمات وعمل حزام حول القرية لمنعها من الامتداد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك مشروعا بدأ منذ عام 2005 وكان من المفترض أن ينتهي في 2011، وكان هدفه عمل مخططات وأحوزة عمرانية لكل القرى المصرية، وهذه القرى يبلغ عددها 4673 قرية، إضافة للتوابع من نجوع وعزب وكفور وعددها 27 ألفا. الدكتور حسن الخيمي الخبير بالإدارة المحلية قال ل"التحرير" إن المسئول عن غياب الأحوزة العمرانية هي الأجهزة الإدارية في الدولة، فالمشروع بدأ في 2005 وكان من المفترض أن ينتهي في 2011 ولكن مع الثورة لم يكتمل، مؤكدا أن الأحوزة العمرانية لن تمنع العشوائيات والتعدي على الرقعة الزراعية كما يقول البعض، فالمسئول عن هذه الظاهرة المؤسسات المنوط بها الحفاظ على الرقعة الزراعية وتعلم جيدا أن التعدي عليها جريمة في حق مصر ومستقبل الأجيال القادمة، مؤكدا أن إلقاء البرلمان المسئولية على الأحوزة العمرانية في انتشار المخالفات والعشوائيات سيؤدي إلى وجود ثغرة يتهرب من خلالها المسئولون عن هذه الجريمة، مؤكدا أن غياب الدور الرقابي هو السبب الرئيسي وليس غياب الأحوزة العمرانية. الدكتور محمد شتا الأمين العام للإدارة المحلية الأسبق قال ل"التحرير" إن الأحوزة العمرانية ستقدم حلا جزئيا فقط حيث ستعطي مساحة للبناء يتنفس خلالها المواطن، ولكن ستظل مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية قائمة طالما أن الجهة المختصة عاجزة عن تنفيذ القانون، والقانون نفسه غير رادع ولا حل للمخالفات إلا بمصادرة العقار المخالف ولا بد أن يكون لدى البرلمان الشجاعة لمواجهة المشكلة بشكل واقعي. جدير بالذكر أن المهندس معتز محمد محمود، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، كان قد أعلن أمس أن هناك إرادة حقيقية داخل مجلس النواب للقضاء على مشكلة العشوائيات وظاهرة تصاعد مخالفات البناء، وأن السبب الرئيسى للعشوائيات فى مصر يتمثل فى عدم وجود أحوزة عمرانية، إضافة لعدم وجود مخطط تفصيلى، ما تسبب فى وجود ملايين المخالفات على مستوى الجمهورية، مشددا على أن هذه المخالفات لن تنتهى أو تتوقف إلا بوجود أحوزة عمرانية، مؤكدا أن اللجنة ستعقد اجتماعا عقب عودة الجلسات، بحضور عدد من الوزراء المعنيين، مثل الإسكان والزراعة والتنمية المحلية والطيران والتخطيط والرى، ورؤساء لجان الإسكان والإدارة المحلية والخطة والموازنة، لنظر هذا الملف".