أثارت دعوة السعودية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لزيارة المملكة تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين مجددًا، في ظل تحسنها تدريجيا عقب تبادل السفراء بين البلدين بشكل رسمي. ويبدو أن وتيرة الركود انكسرت بشكل تام بعد "تسريب" خبر إرسال موفد ملكي سعودي إلى لبنان للقاء رؤساء الجمهورية و مجلس النواب والحكومة، وإيصال رسالة مفادها أنه سيسلم الحريري دعوة ملكية لزيارة السعودية أمس. دعوة وتلبية دعوة السعودية لاقت ترحيبا كبيرًا من رئيس الوزراء اللبناني، والذي وعد بتلبيتها في أقرب وقت ممكن، حسب البيان الذي صدر عن مكتب الحريري. وأفاد "الحريري" بأنه "تلقى دعوة منه لزيارة المملكة وسيلبيها في أقرب وقت ممكن"، موضحًا أن السعودية هدفها الأساسي أن يكون لبنان سيد نفسه، وهي حريصة على استقلال لبنان الكامل. فيما أبلغت مصادر دبلوماسية لبنانية في الرياض وكالة الأنباء الألمانية أن الحريري سيصل إلى العاصمة السعودية بعد غد الأربعاء في زيارة رسمية للمملكة، يلتقي خلالها الملك سلمان بن عبدالعزيز وعددًا من المسئولين السعوديين. وتعد الزيارة هي الأولى له بعد انقطاع دام منذ 18 نوفمبر الماضي، عندما أعلن استقالته في العاصمة السعودية احتجاجًا على ممارسات حزب الله، وهاجم بعنف سياسة إيران في لبنان. رسالة لعون فى المقابل، التقى موفد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، الرئيس اللبناني ميشال عون الذي أكد "حرص لبنان على إقامة أفضل العلاقات مع السعودية". وأبلغ "العلولا" "عون" رسالة شفوية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تؤكد "دعم المملكة للبنان وسيادته واستقراره ومتانة العلاقات اللبنانية السعودية، مع الحرص على أن تكون هذه العلاقات في أفضل أحوالها" حسب الرئاسة اللبنانية. من المتعارف عليه أن السعودية كانت الداعم الأبرز للحريري، ولعبت منذ عقود دورا بارزا في لبنان وقدمت له مساعدات على نطاق واسع، تراجعت وتيرتها في ضوء التوتر الإقليمي المتصاعد بين الرياض وطهران. وربطت صحف لبنانية زيارة الموفد السعودي باقتراب موعد الانتخابات النيابية التي كانت السعودية تعد من القوى الإقليمية المؤثرة فيها، حيث يجري لبنان انتخابات برلمانية في السادس مايو المقبل للمرة الأولى منذ العام 2009، بعدما مدد المجلس الحالي ولايته لمرتين خلال السنوات الماضية. وأكد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في حديث لتليفزيون المستقبل أن لبنان مُصر على استمرار الصداقة العميقة مع المملكة السعودية، وعلى تمتينها أكثر، مشددًا على أن لبنان لن يكون إلا أرضًا للتلاقي، وخصوصًا مع محيطه العربي. رسالة كافية في المقابل، عبّرت أوساط قصر بعبدا ببيروت عن انطباعها بأن السعودية تعيش أجواءً إيجابية أرادت أن تعكسها هذه الزيارة، مؤكدة أن ما نقله موفدها وما عَبّرت عنه رسالتها، كان كافيًا لجهة حرصها الدائم على دعم لبنان وتعزيز ما يوفّر استقراره ويحمي سيادته وسلامة أراضيه، فهي لم ولن تنسى أن أولى زيارات الرئيس عون العربية بعد انتخابه كانت إليها، وذلك حسبما نقلت صحيفة "الجمهورية" اللبنانية. وأوضحت الأوساط اللبنانية أن نزار العلولا أبدى استعداد بلاده لأوثق العلاقات بين البلدين في كل المجالات بما يعكس حجم الأخوة بينهما، مجددًا التأكيد على التعاطي مع اللبنانيين جميعًا بعين واحدة مع رغبتها بالتوافق بين الجميع حول كل ما يعكس خيرًا على البلاد. من جانبه رأى المحلل اللبناني طوني خوري أن عودة النبض إلى هذه العلاقة، ولو بحدّه الأدنى، من شأنه أن يبقي السعودية على الخط اللبناني، وقد تحاول الرياض إقناع الحريري بتحالفات ما في مناطق معينة من أجل الإبقاء على التوازن السياسي والتمثيل الطائفي القوي في هذا الظرف الراهن. وأضاف "خوري" خلال مقال له تحت عنوان "السعودية تعود إلى لبنان... قبل الانتخابات" بصحيفة "النشرة" الإلكترونية، "الأمر لن يكون سهلا، ليس بسبب فقدان عامل الثقة بين الاثنين، وإنما بسبب التحالفات التي نسجها الحريري بالقول والفعل مع عدد من الفرقاء السياسيين في لبنان". نتائج مستقبلية وتحت عنوان "نزار العلولا الذي فَهمَ لبنان"، أكد المحلل السياسي طارق ترشيشي أن زيارة العلولا تكتسب في رأي فريق من السياسيين المتابعين للعلاقة اللبنانية السعودية، أهمية كبيرة نسبة إلى الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، وستطبع نتائجها مستقبل هذه العلاقة بعد كل ما شابَها من شوائب والتباسات". وأضاف ترشيشي "ما لفت المراقبين إلى أنّ الرياض بدأت تدشين صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان، سينسحب مثلها في علاقاتها مع دول أخرى"، إلا أنه أشار إلى أن المعارضين للمملكة ينظرون بارتياب إلى مهمة "العلولا"، ويذهب بعضهم إلى الظن أن المملكة ربما قررت إعادة تجميع صفوف حلفائها لخوض مواجهة سياسية وانتخابية ضد خصومهم وخصومها، وعلى رأسهم حزب الله".