كتاب التاريخ المقرر على طلبة الثانوية العامة قبل ثورة 25 يناير ليس هو المقرر عليهم بعد ثورة 25 يناير، معنى ذلك أن 30 دفعة من حملة الثانوية العامة الذين أصبحوا الآن أصحاب المواقع القيادية فى المجتمع المصرى درسوا تاريخ مصر المزوَّر! أشارت جريدة «الشروق» إلى أن كتاب التاريخ فى الثانوية العامة وبنفس الهيئة التى تولت تأليفه ومراجعته، هى التى كتبت قبل الثورة «مبارك حطم كل القيود التى تكبل الشعب وحرّره من الخوف وفتح كل الأبواب لحرية التعبير» وهى نفسها التى عدّلت الصياغة بعد الثورة لتصبح «مبارك بذل محاولات لتحقيق العدالة الاجتماعية وباءت جميعها بالفشل ولم يتحقق شىء منها»! هل يملك أستاذ التاريخ أن ينظر إلى عين تلاميذه؟ سوف تظل هذه الصفحة وغيرها من الصفحات تلاحق كل أساتذة التاريخ فى المدارس المصرية، الأساتذة الذين باعوا ضمائرهم قبل 25 يناير وتلاعبوا بالتاريخ هل يصلحون لكى يكتبوا التاريخ الآن؟ الحقيقة أن حياتنا كلها فى عهد مبارك كانت تزويرا فى تزوير. كان مبارك يعين رؤساء الوزراء والوزراء وكل القيادات الموالية له فى كل القطاعات ليمارسوا وظيفتهم فى تعضيد موقعه وبقائه على الكرسى لأن فى بقائه بقاءهم. هم الآن على استعداد لمواصلة المهمة، لو طلب المجلس العسكرى استمرارهم فى مواقعهم لقدموا خدمة أكبر للمجلس لأنهم متخصصون وبعضهم حصل على الدكتوراه فى النفاق. مصر تم تزويرها عندما أصبح يحمل اسم «مصر مبارك» كل المرافق العامة والمكتبات والأكاديميات، وقسط وافر من المستشفيات صار يحمل اسم مبارك وزوجته وابنه وهكذا فإن التاريخ صار هو تاريخ مبارك والعائلة! الأمر بدأ تصحيحه على طريقة كتاب تاريخ الثانوية العامة. مثلا وزارة الإعلام بدأت فى الاستعانة بمن نافقوا مبارك ليقدموا أوبريتا عن أكتوبر بعد مبارك رغم أنهم كانوا يقولون فى أغانيهم إن نصر أكتوبر يساوى الضربة الجوية والضربة الجوية تساوى مبارك ومبارك يساوى مصر. الذين رقصوا لمبارك سوف يرقصون لثورة يناير التى أزاحت مبارك والحجة التقليدية: لماذا لم تحاكموا أم كلثوم التى غنت للملك فاروق ثم غنت لعبد الناصر؟ بداية مَن قال إننا صدقنا أم كلثوم فى أغانيها للملك؟ وعلينا أن نستعيد الزمن، عندما غنت أم كلثوم للملك لم يكن أمامها اختيار آخر فلم تكن فى مصر سوى إذاعة واحدة إذا مُنعت منها فلن تستطيع أن تتواصل مع جمهورها، الأهم أن بعض أغنيات أم كلثوم للملك كانت تعبر عن قناعة، حيث حمل الملك آمالا عظيمة فى نهاية الثلاثينيات مثلما حمل عبد الناصر أيضا قناعة وآمالا عظيمة بعد ثورة يوليو ذابت خلالها حدود الوطن فى ملامح الرئيس. كان الزمن هو الذى يفرض تلك الرؤية ولكن منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ومع تعدد وسائط لقاء الفنان بجمهوره لم يعد هناك عذر لمن مزج الغناء للوطن بالغناء للحاكم. عدد من الفنانين والمثقفين مستعدون، مثل أساتذة التاريخ فى كتاب الثانوية العامة، لتغيير مواقفهم. خذ عندك مثلا، كانت الدولة قد شرعت فى إنتاج فيلم «الضربة الجوية» وذلك قبل الثورة ببضعة أشهر ورشح أحمد شاكر للقيام بدور مبارك، أرادت الدولة أن تمنح مبارك لحظات من الزهو على حساب وزارة الإعلام. الآن الممثل أحمد شاكر رُشِّح لبطولة فيلم «رأس الدبوس» الذى يفضح مبارك وسنين مبارك وعائلة مبارك! عقاب يستحقه ولا شك مبارك أن يقرأ كتاب التاريخ فى الثانوية العامة الذى زوّروه لصالحه وهو يفضح الآن حقيقة الرجل الذى وصفوه بأنه حقق المبادئ الستة للثورة هو نفسه الذى قالوا عنه بعد التصحيح إنه قد باءت كل محاولاته بالفشل، ويرى الفيلم الذى أعدوه لفرفشته وتقديمه باعتباره البطل الذى رفع كرامة مصر وأزاح عنها كابوس الهزيمة وبنفس البطل وهو يهيل عليه التراب. ويتابع المطربون والملحنون الذين كانوا يرقصون له فى أكتوبر على مدى 30 عاما وهم يلعنونه فى أوبريت أكتوبر القادم ويشاهد اسمه وسوزان وجمال الذين وضعوهم عنوة على وجه مصر يتم محوه عن وجهها. نعم المنافقون هم المنافقون قبل وبعد ثورة يناير، بل ومنذ عهد الفراعنة ولكن هذه قصة أخرى!