كتب: عبدالرحمن محمود نزل قرار المقاطعة الخليجي الذي فرضته السعودية والإمارات، إضافة إلى مصر والبحرين، على الدوحة، بردا وسلاما على ساسة طهران الذين سارعوا إلى مد يد العون للجار القطري "المحاصر"، معلنين استعدادهم لإرسال مزيد من الشحنات الغذائية، بحرا وجوا. الأمير الشاب، تميم بين حمد، أغضب جيرانه في الرياض، بتصريح صادم، بعد أيام قليلة من انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية في السعودية، مايو الماضي، التي وصف فيها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إيران بأنها "راعية أساسية لجماعات متشددة"، عندما قال إن علاقة قوية تربط الدوحةبطهران. التصريح المثير للجدل الذي نقلته الوكالة القطرية الرسمية، ثم نفته وأعلنت تعرضها للاختراق فيما بعد، أكد فيه أمير آل ثاني، أنه نجح في بناء علاقات قوية مع إيران "نظرا لما تمثله من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها". طفح كيل السعوديين الذين لم يقتنعوا برواية الاختراق التي تبنتها الخارجية القطرية، ونفخوا في أبواقهم الإعلامية ملء السمع والبصر، معلنين حربا كلامية شاملة على الدوحة التي جاهرت بالخطيئة التي ليس لها غفران.. التعاون مع إيران. ورغم أن السعوديين قد يتفهموا طبيعة العلاقات الاقتصادية التي تربط الدوحةبطهران، وتتجلى في تقاسم البلدين لحقل غاز الشمال الذي يُعد أكبر حقل غاز في العالم، فضلا عن التعاون في قطاع النقل البحري، إلا أنهم أبدا لن يتقبلوا فكرة الخروج على الإجماع الخليجي، الذي بات دوليا بعد صفقة ترامب مع الرياض، على أن بلاد فارس هي مصدر الشرور في الشرق الأوسط والعالم. حقل ألغام تسير الدوحة في سبيل الحفاظ على علاقات قوية مع القوتين المتصارعتين في المنطقة "إيران والسعودية"، في حقل من الألغام بسبب التباين الصارخ في المواقف بين آل سعود من جهة، وأتباع ولاية الفقيه من جهة أخرى، فبينما تقف قطر إلى جانب السعودية مع المعارضة، في وجه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وداعمته الرئيسة إيران، تختلف السياسة القطرية بشأن حزب الله اللبناني وحركة حماس في فلسطين، وجماعة الحوثي في اليمن. العلاقات الثنائية.. بين التاريخ والسياسة والاقتصاد بدأت العلاقات الرسمية بين الدوحةوطهران، إبان حكم نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1969، عندما وقعت الدولتان اتفاقًا لترسيم الحدود. توترت العلاقات بين الدولتين، مطلع الثمانينات، بداية بالحرب الإيرانية العراقية، إذ دعمت قطر، الرئيس العراقي صدام حسين ماليًا بتقديم قروض كبيرة وهدايا نقدية، فضلا عن مطالبة إيران في مايو 1989 بحقها في ثلث خزان الغاز في الحقل الشمالي لقطر، حتى تم التوصل إلى اتفاق لاستغلال الحقل بصورة مشتركة. بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، في 1991، رحب أمير قطر الراحل، خليفة بن حمد، بالمشاركة الإيرانية في الترتيبات الأمنية للخليج العربي، ولكن رفضا خليجيا حاسما أفشل المحاولة. جرى وضع خطط في 1992 لنقل المياه بالأنابيب من نهر كارون في إيران إلى قطر، ولكن بعد المقاومة المحلية في إيران، تم التراجع عن هذه الخطة. البرنامج النووي الإيراني في فبراير 2010، وفي أثناء جلسة أسئلة وأجوبة عقب الكلمة التي ألقتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، في المنتدى العالمي الأمريكي الإسلامي في الدوحة، دعا رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، إلى "الحوار المباشر بين إيران والولايات المتحدة"، بشأن البرنامج النووي الإيراني. في 2 يوليو 2011، وافق مجلس التعاون الخليجي بمشاركة قطر، على أن يكون له قوة عسكرية مشتركة، مما يؤدي إلى زيادة ضعف حجم القوات الحالية، "من أجل مواجهة تهديد متزايد من إيران" وعناصرها الإرهابية الهدامة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي". في يناير 2016، كانت قطر آخر بلد يساند السعودية باستدعاء سفيرها لدى طهران بعد الاعتداء الذي استهدف السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، عقب إعدام رجل دين شيعي بارز في السعودية. الارتماء في أحضان إيران في آواخر مايو من العام الحالي، وبعد الهجوم العنيف من وسائل الإعلام السعودية خاصة، والخليجية على وجه العموم، أجرى تميم بن حمد، اتصالا هاتفيا بالرئيس الإيراني حسن روحاني، هنأه فيه بفوزه بولاية رئاسية ثانية، وأكد خلاله "أن بلاده لا ترى أي مانع في مسار تعزيز العلاقات الثانية، وأن الحوار والمفاوضات تشكل قطعا السبيل الوحيد لحل المشكلات". ورغم الأصوات الإيرانية المعارضة للوفاق الفارسي - الخليجي، متمثلا في قطر، إلا أن أصواتا أكثر تعتبره مكسبا كبيرا للبلاد الواقعة في غرب آسيا، على المعسكر السني بقيادة السعودية التي قررت محاصرة الدوحة، بحسب الرؤية الإيرانية، في الخامس من يونيو الماضي. غير أن التحدي الأكبر الذي كان ولا يزال يواجه الدولة الصغيرة التي تقع على الشط الغربي للخليج العربي، يتلخص في كيفية الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوتين الإقليميتين الكبيرتين المتصارعتين في الخليج، فهل تنجح؟