في كل النظم الديكتاتورية.. توجد وزارة للإعلام تشرف على وسائل الإعلام، من أجل التسبيح بحمد الحاكم صباح مساء، وفي كل الأوقات.. والإشادة بحكمته.. ولا تخلو نشرة أخبار أو أي برنامج من طلعته البهية.. أما في الدول الديمقراطية فقد ألغيت وزارة الإعلام منذ زمن بعيد.. ووسائل الإعلام فيها مستقلة بما في ذلك تلك الوسائل التي تملكها الدولة وتشرف عليها.. وقد استبشرنا خيرا عندما تم إلغاء وزارة الإعلام، وإن جاء ذلك بالصدفة، عندما لم يجد رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق أحدا ليتولى وزارة الإعلام.. فكان تأجيل اختيار الوزير.. ثم الإلغاء.. وعندما تولى الدكتور عصام شرف رئاسة الحكومة استمر على هذا النهج.. بل خرج علينا ليقول: إن أفضل قرار بعد الثورة هو إلغاء وزارة الإعلام.. لكن لماذا عودة وزارة الإعلام مرة أخرى الآن.. وفي وزارة شرف.. التي لم يبق لها سوى أشهر قليلة في تسيير الأمور؟ أسئلة كثيرة تطرحها عودة الوزارة.. خصوصا أنه تبين خلال الأشهر الأخيرة أنه لا داعي لوزارة للإعلام أو لوزير الإعلام.. ... لكن رئيس الوزراء عصام شرف يدافع عن قرار عودة وزارة الإعلام -الذي يبدو أنه أملي عليه مثل قرارات أخرى- عن طريق مستشاره الإعلامي، الذي قال: «إن السبب في إعادة وزارة الإعلام يرجع إلى معالجة الخلل الذي حدث بعد إلغاء وزارة الإعلام بشكل فجائي دون وجود مؤسسة أو هيئة تنظيمية لرعاية المؤسسات الإعلامية، وتقديم الدعم لها ومتابعة الأنشطة الإعلامية المختلفة، ودون وجود ميثاق شرف إعلامي أو نقابة للإعلاميين تقوم بضبط الأداء الإعلامي وتنظيمه، وكذلك دون آلية لحماية حقوق المواطنين الذين يتعرضون للحملات الإعلامية المسيئة إليهم وآلية لمتابعة الشطط والتضليل الإعلامي والتجاوزات التي تحدث بحق الشخصيات العامة أو الجمهور ذاته». كلام غير مبرر و«عبيط» وعيب أن يصدر عن رئيس الوزراء أو عن مستشاره الإعلامي، وكان ناقص يقول: إننا استدعينا أنس الفقي لتولي هذه المهمة في تلك الفترة القلقة. وهو كلام مردود عليه.. فهذا كلام يعود إلى النظام الشمولي، الذي قامت ثورة للإطاحة به، في نظرته إلى الإعلام.. فها نحن نعود مرة أخرى إلى تعبيرات من قبيل «ضبط الأداء الإعلامي».. «آلية لمتابعة الشطط والتضليل الإعلامي».. «الحملات الإعلامية المسيئة».. فبالله عليكم من كان يمارس التضليل الإعلامي؟! ومن كان ينظم حملات إعلامية في مؤسسات الإعلام الحكومي من صحافة وتليفزيون وقنوات خاصة يؤثر في قرارها ضد شخصيات معارضة للنظام؟! هم يريدون الآن العودة إلى السيطرة على الإعلام مرة أخرى، عن طريق عودة الوزارة والتحكم مرة أخرى في المضمون الذي يقدمه بعض برامج القنوات الخاصة، كما كان يفعل أنس الفقي في حكمه لوزارة الإعلام، من خلال الإعلانات والقرارات التنفيذية بما فيها منح أو منع شارة البث لمباريات كرة القدم. .. وخذ أيضا الكلام عن نقابة للإعلاميين تقوم بضبط الأداء الإعلامي.. فمن قال إن النقابة، أي نقابة، تقوم بضبط أداء مجالسها؟ فأي نقابة تقوم على أساس الدفاع عن حقوق ومصالح من ينتمون إليها، ويشكلون «لوبي» للضغط على المؤسسات والهيئات التي يتعاملون معها، من أجل صالح أعضائها.. وقد سعى الإعلاميون منذ سنوات إلى تشكيل نقابة لهم، لكن كانت وزارة الإعلام تقف لهم دائما بالمرصاد وترفض.. فهل وزارة إعلام حكومة عصام شرف جاءت خصيصا الآن لتمنح الإعلاميين نقابة؟! هذا عن النقابة.. أما ضبط الأداء الإعلامي فهو شيء آخر، وليست له علاقة بالإعلام.. فالمقصود به دون مواربة «الرقابة» وليس غير ذلك. إن طرح وزارة الإعلام الآن ما هو إلا حالة «ترقيع» للحكومة المتهالكة في ظل رئيسها الضعيف، الذي لم يعد يستطع اتخاذ أي قرار إلا بعد استئذان المجلس العسكري، ووزراء مترددين لا يتخذون أي قرار.. إنها نفس سياسات النظام المخلوع.. «ترقيع».. وتباطؤ.. ويبدو أنهم يجهزون لشيء ما.. فأرادوا السيطرة على الإعلام من أجل تمرير قرارهم والترويج له. إنهم يريدون أنس الفقي ودوره في السيطرة على الإعلام الخاص، قبل الحكومي، وترويجه مشروعات النظام السابق، التي خرجت الجماهير محتجة عليها في الثورة. إن عودة وزارة الإعلام لنذير سيئ ودليل فشل لحكومة شرف.. يا رئيس الوزراء.. إننا في ثورة.. والثورة ليست في حاجة إلى إعادة وزارة «التسقيف» والتضليل.. أقصد وزارة الإعلام