1- الجمود الأيديولوجي الجماعات الإسلامية السياسية، وبعض المنظمات الإرهابية التي ولدت في أعطافها أو حولها، وباتت تشكل صور سلبية عن الإسلام كديانة عظيمة وسمحاء في الوعي الغربي، وفي إدراك قطاعات اجتماعية عابرة للدول والمجتمعات في عالمنا، وراءها عديد الأسباب بعضها عام، والأخرى ذات سمات خاصة تتصل بنشأة كل جماعة داخل دولة ومجتمع ما، وتعكس سياقات النشأة السياسية والدينية والجيلية، التي ولدت من خلالها هذه الجماعات، وأنماط التدين السائدة، وطبيعة المؤسسات الدينية الرسمية أو الطوعية وعلاقاتها بالسلطة السياسية الحاكمة، ومستويات التطور الاجتماعي والسياسي، والتحديثي، ومسارات الحداثة وأعطابها، وعوائق تمددها داخل التركيبة الاجتماعية / الثقافية، والتعليمية ... إلخ. بعض الأسباب وراء التحول من الدعوى / السياسى إلى العنف ثم الإرهاب الوحشي، تم تناولها في بعض الكتابات الجادة، إلا أنها في الغالب لم تعتمد على دراسات حقلية أو ميدانية، لأسباب تتصل بسرية هذه الجماعات، وبعض أسرارها المعلوماتية محجوبة عن الباحثين المتخصصين بالإضافة إلى احتجاز السلطات الأمنية والاستخباراتية للمعلومات التي تتوصل إليها عبر بعض عيونها داخل هذه الجماعات أو حولها، ومن ثم تفرض عليها السرية الصارمة، لأنها توظفها في عمليات مكافحة الجماعات والظواهر الإرهابية، وقصارى ما يعتمد عليه الباحث أو المراقب للحقل الديني السياسي والإرهابي، هو ما يترشح عن هذه الأجهزة إلى الإعلام، أو إعلام هذه الجماعات الإلكتروني، أو بعض ما يتم بثُه من مؤلفات مرجعية عن قادتها، أو منظريها الأيديولوجيين، أو من يقومون بوظيفة الإفتاء في داعش، أو النصرة، أو القاعدة، أو بوكو حرام، أو غيرهم من الجماعات السلفية الجهادية في المغرب العربي .... إلخ. بعض الأسباب العامة وراء هذه التحولات من أيديولوجيا الدعوة السياسية الإسلامية إلى أيديولوجيا العنف ذو السند والوجوه الدينية الإسلامية، ولم يتم التركيز عليها كثيرًا، نشير إلى بعضها فيما يلي: 1- جمود البنية الأيديولوجية للجماعات الإسلامية الكبرى، والأقدم تاريخيًا كما في حالة جماعة الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة العربية، والأحرى غياب حركة أيديولوجية قادرة على مواكبة التحولات النوعية في الواقع الموضوعي المصري – والعربي – والعالمي، ثم العولمي وما بعده، وهو ما يظهر بوضوح في الموجة الأولى من الكتابات الدعوية للجماعة، من المؤسس الأول حسن البنا – ناهيك عن كارزميته اللافتة – وتعاليمه وأحاديثه التي اتسمت بالعمومية المفرطة، والطابع الشعاري الذي يرمي إلى بث الحماسة وإشاعة دعوته بين الناس، وإضفاء الجاذبية على مقولاته الشعاراتية كي تروج بين الفئات المستهدفة، ومن ثم يسهل تجنيد بعضهم في الجماعة. الخطاب التأسيسي للمرشد العام الأول قد يكون صالحًا في هذه المرحلة، وسياقاتها، إلا أنه يبدو في بعض الأحيان غير متوافق مع تحولات كبرى في أوضاع المجتمع والدولة المصرية الحديثة، بعد ذلك، خاصة أن مسألة الدعوة إلى الخلافة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية، كانت تعكس بعض الشعارات العامة في أعقاب إلغاءها في تركيا، وقد تكون جاذبة لبعض الجمهور لاسيما في ظل الاحتلال البريطاني، إلا أنها تناست أن هذه المفاهيم تتصادم مع منطق وثقافة الدولة الحديثة – الدولة / الأمة – وفق المعاني الجديدة لها، وليست وفق المعاني اللاتاريخية التي ارتكز عليها المفهومين المستخدمين في الخطاب الإخواني المؤسسي وما بعده من الرابطة الدينية لمعاني الأمة الإسلامية، والخلافة، والدولة الإسلامية. من ناحية أخرى الموجة الثانية للتنظير الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين تمحورت حول كتابات سيد قطب، والتي كانت تعبيرًا عن تحولاته الفكرية الكبرى، وغلبه المنطق الأدبي، وسردياته على المنطق التاريخي والسياسي والفلسفي، ومن ثم تجربته السياسية وسجنه بعد صراع الجماعة مع نظام يوليو، فهي كتابات مشحونة بتجربة ذاتية وموضوعية خاصة، لاسيما في ثلاثيته الشهيرة "هذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، ومعالم في الطريق". من ناحية أخرى كانت الثلاثية الأيديولوجية الراديكالية، تعتمد على تنظيرات المودودي حول وضعية المسلمين في شبه القارة الهندية، ومحاولة خلق سياجات أيديولوجية ودينية حمائية لهم، إزاء الهندوس، وديانات الهند الأخرى ذات الأغلبية، ثم تمايز المسلمين مع استقلال باكستان بقيادة محمد على جناح عن الهند. إنها استعارة أيديولوجية تغاير أوضاع مصر وعالمها العربي، من ناحية أخرى، المقاربة القياسية في تنظيرات المودودي كانت ولا تزال تجافي الواقع المعاصر بالغ التعقيد. من هنا كانت هذه الاستعارات الأيديولوجية الحاضرة لدى سيد قطب، تجافي أوضاع مصر وعالمها ناهيك عن القياس اللاتاريخي عن المجتمع الجاهلي، والمجتمع المسلم. كانت لغة قطب الأدبية الخاصة والجاذبة والمؤثرة، لها حضور على عدد من شباب الجماعة في السجون، وبعضهم أصبحوا قادة لها في عقدى التسعينيات، وما بعد حتى بعد 25 يناير 2011. من هنا لم تكن الرؤى المسيطرة على التكوين الأيديولوجي لكوادر جماعة الإخوان، تستوعب تحولات الدولة الحديثة والمجتمع المصري، والعالم، رغمًا عن جاذبيتها الراديكالية. من ناحية أخرى أدت الأفكار التكفيرية حول الجاهلية، إلى تشكيل ذهنية بعض هؤلاء الذين أرادوا تغيير المجتمع والدولة من خلال العنف المادي والأيديولوجي. من هنا كان سيد قطب حاضرًا مع أفكاره في بعض سرديات الإرهاب، أو موحية لمنظريها الأيديولوجيين، خاصة بعد إعدامه. الجمود الأيديولوجي لم تتغير بعض مظاهره وجذوره، بعض البيانات التي أصدرتها الجماعة في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي، حول التعددية السياسية، ومشاركة المرأة، والموقف من المسيحيين المصريين في بيان "هذا بيان للناس"، وذلك على الرغم من تبنيها بعض المصطلحات السياسية والاجتماعية المستخدمة في العلوم السياسية والسوسيولوجية، إذا ظلت تدور في فلك المجازات اللغوية التجميلية للخطاب كي يغدو جديدًا، لكن بعض القيود التي وضعت في إطارها هذه البيانات، كانت تحدُ من مضمونها، ولا تدعها تنطلق كبشائر لمرحلة جديدة في فكر الجماعة. ظل الجمود وسيطر وتمدد على فكر الجماعة في تنافساتها مع الحركة السلفية ومن ثم مالت إلى المحافظة الشديدة والمتزمتة كي تستطيع التمدد على الأرضيات الاجتماعية التي يمهد لها السلفيين، وهو ما نجحت في بعضه تمامًا. تجلى الجمود الأيديولوجي للجماعة في أعقاب الانتفاضة الثورية المجهضة في 25 يناير 2011 وفي التفاوض مع المجلس العسكري، كسلطة انتقالية، وبعد وصولهم إلى السلطة – الرئاسة والبرلمان – وبروز ظاهرة غياب المهارات السياسية، والنزعة الإقصائية، واضطراب عملية إدارة الدولة وأجهزتها، وعدم القدرة على مواجهة مشكلات المراحل الانتقالية المعقدة. السؤال الذي نطرحه هنا ما العلاقة بين الجمود الفكري والتحول إلى جماعات العنف والإرهاب؟ تبدو هذه العلاقة تاريخيًا، في تحول بعض شباب الإخوان إلى تكفير الدولة وقادتها، والمجتمع، في رفض بعض هؤلاء في السجن إصدار بيان تأييد لجمال عبد الناصر والنظام أثناء أزمة يونيو 1967، قبل نشوب الحرب مع إسرائيل وكان من بينهم شكري مصطفى الطالب بكلية الزراعة جامعة أسيوط، وآخرين، وكانت النواة التاريخية لجماعة المسلمون الراديكالية التي اشتهرت إعلاميًا بالتكفير والهجرة. أدى أيضًا الجمود الفكري لحزب التحرير الإسلامي إلى كتابات صالح سرية وتجنيد بعض طلاب الجامعة ومنهم طلال الأنصاري – هندسة – وكامل عبد القادر – طب – ومجموعة بورسعيد بقيادة أحمد صالح ومجموعة القاهرة والجيزة بقيادة حسن الهلاوي ومصطفى يسري، ومجموعة قنا بقيادة محمد شاكر الشريف، ومجموعة الفنية العسكرية بقيادة كارم الأناضولي . هؤلاء الشباب كانوا أسرى أفكار صالح سرية الراديكالية العنيفة المستمدة من حزب التحرير الإسلامي، وفشلت محاولاتهم الانقلابية. الجمود الأيديولوجي، وبساطة اللغة الشعارية تكون جاذبة للشباب صغير السن، وذو التعليم والثقافة البسيطة، ومن ثم يؤثر عليهم ويحفز طاقاتهم الشبابية الغاضبة النازعة للتغيير، ومن ثم تحويلها نحو الأفكار الدينية الراديكالية. من هنا كان رد قادة جماعة الإخوان المسلمين على الاتجاه القطبي في السجون – عقد الستينيات – هو إعداد كتاب دعاة لا قضاة، وتم وضع اسم المستشار حسن الهضيبي المرشد العام الثاني عليه، ليكون ردًا من رأس القيادة على أفكار سيد قطب إلا أنه لم يؤثر كثيرًا. تناسلت الأفكار الراديكالية من الجمود والهشاشة الفكرية والمعرفية وراء الخطابات الأيديولوجية الشعاراتية التأسيسية، ومن ثم ران الجمود على كوادر هذه الحركات، وتمددت الأفكار المتشددة والانغلاق الفكري إلى بعض الشباب الذي أخذ بعض الأفكار الانقلابية، والتكفيرية وأسس جماعة المسلمون، أو جماعة حزب التحرير الإسلامي بقيادة صالح سرية، وهي مداخل لجماعتي الجهاد، والجماعة الإسلامية، فيما بعد. وللحديث بقية